في زحمة الحياة اليومية، تظهر عبارات تحمل قيماً إنسانية سامية، لعل من أبرزها “قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق”، التي تحمل معاني نبيلة، إلا أن استخدامها في غير محلها قد يقود إلى نتائج سلبية تمس سلامة المجتمع وبيئته.
من الظواهر التي نشهدها في شوارعنا هذه الأيام، انتشار باعة “الحبحب” أو “البطيخ” الذين يعرضون بضائعهم على الطرقات وفي الأماكن العامة، وشراء هذه المنتجات يُعد دعماً لهؤلاء الباعة، إلا أن الأمر لا يخلو من جوانب صحية وبيئية تُثير القلق، فعملية البيع “على السكين”، التي يطلب فيها المشتري شق البطيخة للتأكد من جودتها قبل الشراء، قد تبدو بسيطة، لكنها تترك آثاراً سلبية.
في كثير من الحالات، تُلقى المخلفات أو الفاكهة التي تم فحصها ولم تعجب المشتري بشكل عشوائي في المكان الذي يتواجد فيه البائع أو بالقرب منه، مما يؤدي إلى تراكم النفايات، وانتشار الروائح الكريهة، وتشويه المنظر العام، أضف إلى ذلك أن السكين المستخدمة لفحص البطيخ غالباً لا تُنظف بين الاستخدامات، بل أن البائع يلقي بالسكين في أي مكان يحيط به، ما يجعلها عرضة للتلوث بالذباب أو غيره من الحشرات الناقلة للأمراض التي تحط على السكين، ناهيك عن سوء تخزين البطيخ أو طول مدة عرضه تحت أشعة الشمس، مما يؤثر سلباً على جودته وصلاحيته للاستهلاك.
تتباين الآراء حول هذه الظاهرة؛ فهناك من يشتري من الباعة اما لتدني الأسعار أو بدافع التعاطف معهم ودعمهم، بينما يفضل آخرون شراء منتجاتهم من أماكن مرخصة ومبردة تضمن جودة أعلى ونظافة أفضل، وفي هذا السياق تبرز مسؤولية المجتمع في إيجاد توازن يحقق الجوانب الإنسانية دون الإخلال بمعايير السلامة العامة.
ولحل هذه الإشكالية، ينبغي أن تتكاتف الجهود لتشديد الرقابة على مثل هذه الأنشطة العشوائية، وفرض غرامات على المخالفين لضمان الالتزام بالنظافة والمعايير الصحية، وتوعية أفراد المجتمع بمخاطر شراء المنتجات من مصادر غير موثوقة، وتشجيعهم على اختيار البدائل الأكثر أماناً، مع ضرورة توفير أماكن مخصصة للبائعين تحترم الاشتراطات الصحية والبيئية.
ختاماً، عبارة “قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق” تحمل رسالة إنسانية نبيلة لا خلاف عليها، لكن تطبيقها يتطلب فهماً أعمق لمسؤولياتنا تجاه أنفسنا ومجتمعنا من خلال حماية الأرواح والأرزاق معاً.