صيف عام ١٤٣٦ هجرياً دورة خارجية في فرنسا بمدينة باريس جمعت بعض موظفي دول مجلس التعاون الخليجي العربي في برنامج تدريبي " التنمية المحلية " في الدورة مجموعة منهم ، ومما يسعد السعوديون المتدربون . تواجد هذه المجموعة مواطني دول مجلس التعاوني بالبرنامج التدريبي ، وإذا تواجدوا خارج أوطانهم تألفوا ، وانحاز بعضهم لبعض ، وبحكم البرنامج ودورته بباريس على اختلاف مواطني دولهم . نشأة رابطة قوية من الألفة بين مواطني مجلس التعاون الخليجي المتدربين ، وأن لم يسبق لهم التعارف ، فالموطن والوطن واحد " الخليج العربي " ، وبالذات دول المجلس التعاوني الخليج العربي ، فالدين واللغة والمصير واحد ، والعرق واحد ، والنسيج الاجتماعي واحد ، واوشاج الدم واحدة فضلاً عن الجنس والنسب والمصاهرة والرحم ، من خلال البرنامج ودورته ترسخت رابطة التعارف اثناء الدورة ، وتشكر مؤسسة الأبداع والتدريب في رعاية الدورة ودعمها بمحاضرين متميزين ، وأدوات برنامج التدريب المتميزة ، والاستفادة الكاملة من جميع الوجوه من أجل إيضاح أهداف الدورة وغايتها ، وايصال الفكرة بأسلوب شيق . يرسخ بالأذهان ، والمصاحبة أثناء التجول في مراكز ومتاحف باريس ، ومقرات البحوث العلمية، والمعاهد الثقافية ، وزيارة معالم مدينة باريس أشهرها برج إيفل وقوس النصر ، والبرلمان وساحته العامة ، والمنتزهات ، والمسطحات الخضراء ، ومحطات القطارات تحت الارض بأطوارها الثلاثة ، وشارع الشانزليزيه ، والأسواق والمطاعم . تذهب المجموعة سوياً ، وتتجول سوياً ، وحينما أشرفت الدورة على الانتهاء . أراد البعض قضى ماتبق من وقت في المغرب طالما البعض في إجازة تبداء بنهاية الدورة بينما البعض يفضل ان يقضي ما تبق من وقت ، واجازته في ربوع فرنسا أو مناكب أوروبا متدرجاً على أديمها كثباناً ووعراً ، ووفق الديموقراطية الأوروبية طالما هم على اراضيها ، طرحوا الفكرة بالتصويت بين المجموعة ، ورجحت المغرب بأغلبية التصويت ، وأسند حجز تذاكر الرحلة لأحد أبناءً الوطن المقيم بباريس أكثر من عشرين عاماً ، ويزاول نشاط منشأته التجارية الخاصة به بباريس ، والمتزوج من أرياف باريس فرنسية ، الاستاذ/ قاسم المالكي ، ومنجب من الفرنسية أولاد ثلاثة كالقشطة الفرنسية " فهد وعبدالله وسلمان " ، ولدوا على أراضي فرنسية بباريس العاصمة السياسية والإدارية لفرنسا من أم فرنسية الأصل ريفية المنشأ ، وأب سعودي الأصل والمنشأ من سراة الطائف ، وتسمية أولاده لم تكن من فراغ بل أثناء الزيارات الرسمية لملوك الوطن لفرنسا ولدوا أثناء الزيارة مع زيارة كل ملك بمفرده ، وتيمناً بزياراتهم أسمى أولاده ، ونزعة ولاء وحب لقيادات وطنه ورموز بلاده السياسية كانت تسمية اولاده .
حجز التذاكر على الخطوط المغربية الأرخص من الخطوط الجوية الخليجية والأوربية ، ولا حدس ما بين فرنسا والمغرب سوى البحر الأبيض المتوسط . غادرت المجموعة باريس في صباح يوم الإثنين من مطار باريس الجنوبي " أورلي " يبعد عن باريس ١٩ كيلاً ، وهو ثاني مطار بعد مطار شارل ديغول الدولي .
قبل المغادرة نسق احد أفراد المجموعة باحد معارفه من له خبرة بالمغرب رجل الأعمال السعودي الشيخ/ صالح شكيلي الحلوي من وادي حلى جنوب مكةالمكرمة باربعمائة كيلاً ، والأخر أحد أفراد المجموعة نسق مع رجل الأعمال السعودي / نائف أبن فارس الغويري من سكان قرى الجمش عالية نجد المتزوج مغربية مراكشية ، وله مزرعة بأطراف مراكش الشمالية ، وبها مجموعة فلل دبلوكسات مخصصة ضيافة لضيوفه على مدخل مراكش ، وأبدى استعداده ضيافتهم في أحد فلله .
هبطت طائرة المجموعة مطار مراكش بالمغرب ظهراً ، وكان السائق/ بزيع المغربي في استقبالهم ، ومتواجد بالمطار صالة القدوم ، وحمل الأمتعة والحقائب للمركبة ، ونقل المجموعة من المطار للسكن المخصص لهم في إحدى الفلل دبلوكس دورين المجالس وصالة الطعام وصالة تطل على المزرعة ، ودورتين مياه بمغاسلها بالدور الأرضي ، والدور الثاني غرف نوم بدورات مياه مكملة بالخدمات بينهما بهو على شكل قبة دائرية الشكل سداسية الفتحات ، والموقع قريب من مدينة مراكش ، ومخدوم بالخدم ومستلزمات الراحة فوق ماتتصور ، ونسق مع أحد الأكاديميين من جامعة مراكش من أجل تزويد المجموعة بمعلومات ومعارف عن المغرب عموماً نشأةً وتطوراً ومراكش خاصة ، ومواقع السياحة والآثار ، ووضع برنامج سياحي جميل للمجموعة من البحر إلى الجبل بموجبه تتنقل المجموعة في ربوع المغرب ، وقد وقفت المجموعة خلال إقامتها على قصر يوسف بن تاشفين ، ومسجده بمراكش ، وبن تاشفين زعيم المرابطين ، ومؤسس مراكش ، وعرجت المجموعة على ميدان الفناء ، ومحطة القطار ، وأسواق المرجانة ، وقلعة وقصر السلطان منصور السعدي ، ودار منفى ابن عباد باوريكا بعد العز والملك وقصور الحمراء بغرناطة بالاندلس . يكون ذليلاً في دار صغيرة بموقع نائي سبحان المعز والمذل . يعز من يشاء ، ويذل من يشاء ، وعرجت المجموعة على مسجد الكتبية والأسواق الشعبية وغيرها ، وفي احدى الجولات على أرياف وقري جبال الأطلس الزرعية تبعد عن مراكش مئتين كيلاً ، وأثناء السير بالمركبة جيب بمنحدرات جبال الأطلس . شاهدت المجموعة أمرأة تحمل صريف من القصب " أعلاف دواب " على راسها . أمرأة شابة فارعة الطول نحيلة ويابسة الجسم اثقلها ماتحمله . توقفوا بمحاذاتها ، وصريف القصب يعوق خطواتها بالمشي متقدم حزمة القصب راسها بمتر ، وخلفه بمتر ، طرح احد المجموعة سؤال عن مسميات بعض القرى والاماكن والطرق . توقفت من أجل الاستماع ، وتسألت عن سبب المجيئ ، فتطفل أحد المجموعة نريد الزواج ، فأنزلت حزمة صريف القصب من فوق رأسها على الأرض متنفسة من كرب حمله ثم أقتربت من نافذة المركبة ، وقالت : خليجين ، نعم خليجين ، فتبسمت بضحكة برزت امشاط ثناياها من ثغرها المتبسم ، فقالت: يتزوجني أحدكم ، فالمرأة الخليجية مخدومة في بيتها ملكة . كل شيء متوفر في دارها الماء والكهرباء والتكييف والهاتف بشطريه الثابت والمنقول ، وتنوع الملبوسات ، والحلي ، والإنترنت ، وأدوات الغسيل وأجهزته وملتزماته والأجهزة الكهربائية ، وغير ذلك ما عليها إلا خدمة مملكتها ، ونظافة وغسيل منزلها والطبخ . ملكة متوجة بينما نحن نساء المغرب في شقاء من جلب الماء والحطب لمنازلنا وحرث الحقول الزراعية وسقيها ، وتعليف وسقيت الدواب . نعمل من الفجر حتى ما بعد الغروب ، والاعتناء بوالدينا وكبار السن ، ثم نصرف بإعداد العشاء ، وشبابنا يعملون بأوروبا ، والخليج ، ولا يتزوجون إلا بعد أن يزف الستين من العمر اثناء العودة من الاغتراب ، وفي هذا السن ، يكثرون من شرب الشاي الأخضر مهبط الهمة ، ونساء المغرب يفرحن بالزواج من الخليجي وتتفانى في خدمته ، وتعيش بعلها ملكاً وأكثر ، والنساء المغربيات المتزوجات خليجين ياتين لأهليهن بالخير الوفير محملات بالذهب والحلي ، والكساوي والبعض تعيش أهلها ، وأسرتها رغد العيش ، وتصرف مصاريف الدراسة على إخوانها وخواتها في التعلم ، ومراحله المختلفة ، وتبني داراً لأسرتها ما نمانع بالزواج من الخليجي " أقرب من السعد تسعد " فرصتها الذهبية . أدهشت من بالمركبة بقولها ، وجعلتهم يتلافتون بعضهم ببعض راجين ان تسمع نسائهم قولها ، وانصرفوا ، ونظروا من خلال مرآة المركبة الجانبية تحاول حمل حزمة القصب ولا تسطيع حملها على رأسها فقال أمير الرحلة : نساعدها على حمل حزمة القصب على سطح المركبة ثم باستعلامهم عن دارها أشارت لموقعه ، وما وصلوا دارها حتى سابقتهم الوصول على قدمها ، وندهشوا من سرعتها ، وهم على مركبة ، وهي على قدم وساق ، وأنزلوا القصب وطلبت منهم الانتظار والتريث ودخلت دارها ، وحركوا ، ولم ينتظروها ، وأخذوا جولتهم بالقرى الزراعية بجبال الأطلس بمركبتهم بمحاذات الحيازات الزراعية ، وأغلب مايعمل بها نساء ، وقلة نادرة من الرجال كبار السن لكن مناظر الحيازات وتقسيم الحقول وتنظيمها جميلة ، وان كانت بدائية دون استخدام التقنية الزراعية في الري ، وتهذيب الزروع إلا أنها مناظر خلابة وجميلة ، واثناء إيابهم عصرية قد اشرفت الشمس على المغيب وأثناء مرور دار تلك الفتاة ، وجدوها واقفة في يديها وعائين ما ان سمعت صوت المركبة ولمحتها . تقدمت نحو المركبة ، وتوقفوا ، وناولتهم الوعائين احدهما عسل والأخر زيت الارقيان او الارغيان المغربي تقول: هدية لكم ، وإذا أردتم زجية تعهدوا هذه دار .
ياسادة المغرب الإنسان والمكان جميل ، والطبيعة والجو أكثر جمالاً. البحر والسهل والجبل جذابة والطبيعة خلابة ، فالبحر وجزره المحيط الأطلسي والمتوسط الأبيض ومضيق جبل طارق ، وشواطئه وسواحله الجولة فيها جميلة ومنعشة ، والسهل أكثر جمالاً ومتعة من البحر ترصعه الطبيعة والحيازات الزراعية جمالاً وحسناً والجبل أكثر جمالاً من البحر وسهل بنواصبه الشامخات يكتسي الجبال الخضار الشديد ، وبياض سنمبوستها الثلوج ، وعلاماته آية من يعتبر تتخلل منخفضاتها وسفوحها الحيازات الزراعية الجميلة والجذابة . روضة الناظر وجنة المناظر هذا هو الوجه المشرق عن المغرب وطبيعته بخلاف ماكولاته ، ومشروباته وفواكه الطبيعية الذيذة لا تشبع منها ، ولا من ماكولاته الذيذة ، وتزيد من تناول فواكه بكثرة ، وخضاره دون ملل أو جرد .
في العدد القادم نتكلم عن الوجه المشرق للمغرب وبعض المواقف الطريفة التي واجهة المجموعة في تجوالهم في سياح وهضاب ووديان المغرب وللمغرب نصيب من إسمه بالفطر بعد الصيام ونسناس هواءه .