الشمال التركي ، ومشاهدات طبيعة مناكبه المجتمع والمكان ، وأطراف نواحي طرابزون درة الشمال التركي وعاصمته ، وغادة الأناضول . هذا المقال أمتداداً مقال العدد السابق – ١١٣ – ومشاهدات الشمال التركي ، وبالأخص طرابزون وواحاتها . بينما نحن بموقع المكشات جنوب طرابزون خارج النطاق العمراني بستين كيلاً ، وبمنأى عن العمران بموقع ينعت دوحة سليم الأول ومنتزهاته . نواصل المشاهدات عن هذه الخرجة أو المكشات بالموقع المشار إليه سالفاً . نتدرج بين غابات واشجار الصنوبر ، ومعالم الطبيعة الخلابة بين العشب وأزهاره حشيشاً نابتاً فيها ، وعبق الأزهار ، ونفالة العشب رائحتها تدغدغ الأنوف بأزكى رائحة ، وأطيب مشم . نتفيأ تحت ظلال أشجار الصنوبر وصخور الموقع . نحتسي حساء القهوة العربية بأيدي عربية ، والشاي حيناً . أفراد العائلة يتمتعون بأجواء الطبيعة الخلابة ، وتسوقهم الأقدام على اديم البيداء ، والطهاة يعدوا الطعام والمشروبات وغيرها من المكملات . صدح أحد كبار السن من السياح السعوديين بأذان الظهر . توافد إليه من هم حول الموقع ، ومن سمع الأذان شيباً وشباباً من السياح أغلبهم سعوديون وجلهم نجديون لأداء الصلاة يخالطهم بعض سياح الخليج العربي ونزراً قليلاً من العرب وغيرهم . صلينا صلاة الظهر قصراً ثم صلينا صلاة العصر جمع تقديم مع الظهر قصراً .
تشاهد تبادل أوعية مواعين الطعام بين السياح وعوائلهم كلاً يهدي من طعامه للاخر . ذكر السائق التركي بتعجب ظاهرة تبادل الأطعمة . هذه ميزة يتميز بها السعوديون عن غيرهم من السياح ، وسخاءً قل أن يوجد مثله في شعوب العالم ، فأنتم لا حدس حكومةً وشعباً كرماء . مجتمع كريم ، وحكومة معطاء ، وبعد الغداء تناولنا حساء الشاي الأصفر ، وتبادل أطراف الحديث بينهم ، والتفكر بآيات الله الجبال الشامخات ، والسماء المرفوعة بلا عمد ، والارض ووديانها ، والشعاب ومغزلاتها ، والأشجار وتهدلها ، والسحاب ومزنه ، يأذن بهطول المطر . تبغدد بعض قطراته السياح رشاً خفيفاً مهذباً في استحياءه حيناً بعد حين . شارفت الشمس على الزوال غرباً بعد عصر هذا اليوم مستأذنه من السياح بالرحيل . فسحت المجال لغسق الليل بالقدوم .
اثناء جلوسنا بعد الغداء ، فإذا أمراه مقبلة نحو الجلسة تمشي بخطا متثاقلة ليست بالعجوز البين عجزها ، ولا الشديدة البين جلدها بل في صحة جيدة ، ومن خلال مشيتها يظهر إنها ازفت الخمسين من العمر ، ويبدو عليها الاستحياء من مشيتها ، ويظهر عليها الفاقة والحاجة . وقفت في المنتصف في وجل وخجل بين جلسة الذكور والإناث مترددة ايهما تتجه مطّرفة عن الجلستين قليلاً بمسافة غير بعيدة . تنتظر وتفكر لمن تنصا أحد الجلستين ثم نصت جلسة النساء ، وتحدثت إليهن مفصحة انها لم تحج حجة الفريضة ، وهذه المرة العاشرة لعلها تتوفق غير أسيه من رحمة الله ، وتطلب تحقيق رغبتها بحجة الفريضة . تواصل النساء معنا بالإفصاح عن رغبتها . نحن سياح ومتنزهة لا نملك من الأمر شيء مما ذكرت ، فأرسلنا السائق التركي يخبرها ليس لنا من الأمر شيء ، ويستطلع أمرها . أول الأمر اعتذرنا ، فالحج يتعلق بتصاريح وشروط وضوابط من قبل حكومتي البلدين ، ومن استطاع إليه سبيلاً ، فذكرت إنها من احفاد عثمان بن عفان ، وأنتم وبلدكم معين الخليفة عثمان فلا تحرموني من مساعيكم ما وسعكم المسعى بتحقيق حجة الفريضة ، شفاعتكم عند من يلزم الأمر ان كنتم لشفاعة أهلين ، وانتابنا شعور بذكر عثمان بن عفان رضى الله عنه ، وأخذتنا الحمية فيه ، وشاش شعر الرأس بذكر عثمان أبن عفان رضى الله عنه انها أن صدقت من بني أمية ، وبني أمية سادة العرب بالجاهلية والإسلام ، وطالما تعود بأصولها لخليفة المسلمين عثمان بن عفان رضى الله عنه سوى صدقت أم لم تصدق ، والناس مؤتمنون على أنسابهم ، ولا حدس عثمان خليفة بل الخليفة الصالح وصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وزوج ابنتيه رقية وأم كلثوم ، ويلقب بالنورين لزواجه بهن ، وتستحي الملائكة منه ، ومجهز جيش العسرى ، وقافلته التجارية القادمة من الشام بالخيرات عام الرمادة . تصدق بها على فقراء المدينة المنورة بخلاف بئر زومة وحلو ماءها اشتراه رضى الله عنه من يهودي وجعلها سبيل لعامة المسلمين ، وهو ايضاً شهيد الخلافة ، واحد المبشرين بالجنة ، وأول موقعة بحرية للمسلمين في البحر في عهده ، وجمع القرآن المبارك من السعف ، واكراف النخل ، والجلود وألواح الين ، وبعض الاثواب في مصحف واحد . هذه العوامل شفعت لها ان نسعى في تحقيق رغبتها ما بلغ المسعى والمجهد . أردنا أولاً دفع تكاليف حجتها عن طريق شركات الحج والعمرة التركية ، أفادنا السائق التركي المرافق قد لا يتحقق مطلوبها ، ولا تصدق الشركات معكم وتأخذ النقود وتعجزها بتكميل طلبات لا تمكنها من ذلك ، لعلكم تجدون من أهل الخير أو الجمعيات الخيرية ببلادكم تتبنى رغبتها . لا شك رأي يصادف محله تم تصوير هويتها التركية ، وتدوين عنوان مسكنها ، ووقفنا على موقع سكنها ، وأخذنا احداثياته ، وأرقام جوالين أحد أقرباءها إذا رجعنا الوطن الغالي نبحث من يحقق رغبتها ، فلما راجعنا للوطن الغالي . اشارت إحدى بناتي ان اكتب لخادم الحرمين الشريفين برغبتها وأرفق صور مستنداتها . استحسنت الفكرة ، وكتبت الخطاب بذلك في أول شهر صفر عام ١٤٣٩ مشمولا بصور بياناتها الأنفة ، ومعلوماتها المشار إليها سالفاً ، ومقر سكنها وعنوانه ، وإحداثياته ، ورقم جوالين أحد أقربائها . واخبرني السائق التركي فيما بعد جاءها موافقة بالحج على حساب خادم الحرمين الشريفين في حمّلته الموفقة والمباركة على حسابه ، وانها ما ان علمت بالخبر تصدقت باحد كباشها ، شكراً لله ثم لخادم الحرمين الشريفين على مكرمته بحجة الفريضة لها ، وكذلك اثناء عودتها لدارها بالشمال التركي سالمةً مكرمةً بكبش اخر على نية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان جزاءه الله خيراً ، وجعلها في موازين حسناته ، ولا يحرمنا الاجر والدال على الخير كفاعله .
غادرنا الموقع بعد صلاة المغرب حينما اشتد سواد الليل ، وأختفت خيوط النهار . كئن الموقع محذراً من خبث الليل وغسقه .
فاصل ونعود في العدد القادم . دام عزك ياوطن ، ودامت قيادته الرشيدة ، وحفظ الله سلمانه سلمان الحزم ، وعضيده ولي العهد الأمين محمد العزم مجفف منابع الإرهاب ومسارب الفساد ومصادر الإرجاف .
بقلم ـ خالد حسن الرويس
أضواء الوطن
- منذ أسبوعين
- 22726
