تحتل المملكة العربية السعودية المركز الرابع دولياً من حيث استضافة العمالة الوافدة, وذلك بناءً على التقرير الصادر عن الأمم المتحدة في عام 2013م, حيث بلغ عدد العمالة الوافدة في المملكة العربية السعودية تسعة مليون ومائة ألف تقريباً.
وعندما نتأمل في آخر إحصائية صادرة عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات في وزارة الاقتصاد والتخطيط لعام 2010م, نجد بأن العدد الإجمالي لسكان المملكة العربية السعودية يفوق سبع وعشرون مليون نسمة تقريباً.
أي أنّ نسبة العمالة الوافدة منها تمثل 33 % تقريباً (بمعنى أنّ ثلث سكان المملكة العربية السعودية من العمالة الوافدة!!).
مع الأخذ بعين الاعتبار بأن هذه النسبة للعمالة الوافدة (النظاميين) وما خفي أعظم!!.
ونحن نعلم أيضاً بأنه لو تُرِكت أبواب الاستقدام مفتوحة على مصراعيها لفاق عدد العمالة الوافدة عدد المواطنين السعوديين.
إنّ مثل هذا الأمر يجعلنا نتساءل .. لماذا تحرص العمالة الوافدة في الرغبة على البحث عن عمل في المملكة العربية السعودية؟ ولماذا قد تترك العمالة الوافدة خلف ظهرها (وطنها الأصلي, والأهل, والأصحاب, والذكريات الماضية) وتتجه بكل نشاط وحيوية إلى أراضي المملكة العربية السعودية ؟ وهل المملكة العربية السعودية بلدٌ تستحق بالنسبة للعمالة الوافدة أن تغترب فيها؟
ربما سيقول البعض بأن الرغبة في امتلاك (المال) هو السبب في ذلك, بحكم أن المملكة العربية السعودية (دولة نفطية), ورواتب العمالة الوافدة قد تكون مناسبة لهم مقارنةً ببعض الدول الأخرى, وقدرة بعض العمالة الوافدة على العمل في وظيفتين مختلفتين في اليوم الواحد (صباح مساء) من أجل تحسين وضعهم المعيشي.
كل ما تقدم صحيح, ولكنه ليس بالسبب الوحيد, فالواقع بأن المملكة العربية السعودية هي:
1- وطن الحرمين الشريفين (مكة المكرمة, والمدينة المنورة), لذا يسهل على العمالة الوافدة (المسلمة) زيارتهما بدون تكاليف مادية عالية كما يفعل غيرهم من بني جنسهم عندما يرغبون في العمرة أو الحج.
2- وطنٌ تُرفع فيها المآذن لذكر الله تعالى, فتجد العمالة الوافدة حريتها في عبادة الله تعالى بلا منع أو قيد.
3- وطنٌ يُؤمر فيها بالمعروف وينهى فيها عن المنكر, من خلال المواطنين الصالحين وجهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
4- وطنٌ يقول فيها الملك عبدالله حفظه الله: (أنا أخاً للمواطن), والمواطن يقول فيها للملك عبدالله حفظه الله: (المواطن محباً لك).
كل هذه الصفات وغيرها الكثير تجعل من العمالة الوافدة أكثر حرصاً على البحث عن العمل في أراضي المملكة العربية السعودية.
وعندما نتأمل كمواطنين سعوديين من زاوية أخرى في الموقع الجغرافي لوطننا الغالي وما هو محاطٌ به من الدول الأخرى التي بها (ثورات, وحروب, وقتل, وأعمال شغب, وسرقة, وانتهاك للأعراض .. الخ), مما أدى إلى عدم استقرار بلدانهم أجمع حتى بعد انتهاء تلك الثورات.
فها هي داعش تستولي على القرى وتقتل العشرات من جهة الشمال, والحوثيين يتقاتلون مع أبناء جلدتهم من اليمن في جهة الجنوب, والأوضاع في مصر من جهة الغرب لم تستقر بعد, وأعمال الشغب في البحرين من جهة الشرق تركد تارة وتعود تارة أخرى.
سندرك بعد ذلك كله بأننا أكثر أمناً وأماناً منهم في وظل وطننا الغالي المملكة العربية السعودية- وسنعي أيضاً بأن هنالك أيدٍ مخرّبة تريد أن تلوث وطننا الغالي بأفكارٍ بناءة في ظاهرها (ولكن في حقيقة الأمر هدامة, وتخدم أغراضهم الشخصية, وليست حباً في المواطنين).
لا ننكر بأن البعض قد يكون مستاءً من بعض الأمور (كإرتفاع في العقار, وزيادة مستوى المعيشة مقارنة بالراتب, ..الخ), ولكن مثل هذه الأمور من المفترض ألا تؤثر على حبنا وانتمائنا لهذا الوطن الذي تربينا وتعلمنا فيه, كما ينبغي أيضاً ألا نركز في النظر على السلبيات ونُهمِل النظر في الإيجابيات, لأن أمور الحياة أجمع تحتاج منا أن نوازن بين الأمور وأن نتعامل مع المواقف بحكمة, وأن نهتم بتحقيق المصلحة العامة أكثر من أن يكون اهتمامنا بمصالحنا الشخصية, كل ذلك من أجل أن نحافظ على استقرار وأمن الوطن والذي سيتبعه تحقيق الرخاء والسعادة لنا.
ولنأخذ على سبيل المثال بعد غزوة أحد عزف كثير من الصحابة عن الذهاب إلى جبل أحد لأنه استشهد في سفحه وسهله سبعون من خيار الصحابة, وفي يومٍ من الأيام يذهب قدوتنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جبل أحد ويقف عليه ويصلي على شهداء أحد, فيهتز جبل أحد والرسول صلى الله عليه وسلم يبتسم ورفع قدمه الطاهرة ويضرب على جبل أحد ويقول: (اثبت), وقد روي بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن جبل أحد: (إني أحبه ويحبني).
ومما سبق .. أليس من باب أولى نحن كمواطنين سعوديين أن نحمد الله سبحانه وتعالى على هذه النعم التي منحنا إياها؟ وأن نزداد حباً وعشقاً لوطننا الغالي؟
حكمة .. عسرك في وطنك, خير لك من يسرك في غربتك.
الكاتب/ مساعد بن سعيد آل بخات
Mosaedsaeed@hotmail.com
@Mosaedalbakhat