قضية الأمن والأمان قضية هامة جدا بل من أهم القضايا التي يجب أن نحرص عليها لأن فقدان الأمن يعني فقدانك لكل الضروريات الخمسة الدين والنفس والعقل والعرض والمال والتي أمر الإسلام بحفظها.
والله سبحانه وتعالى جعل وُجود الأمن نعمة من النِّعم، وحِرمانه بلاءً ، قال تعالى: « وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ »(البقرة: 155)
وقد مَنَّ الله سبحانه وتعالى على الناس بهذه النعمة قائلاً: « وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا » البقرة: (125)
ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يشير هنا للأهمية القصوى للأمن بهذا الحديث الشريف، قال رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم-: (مَن أصبَحَ آمِنًا في سِربِه، مُعافًى في جَسَدِه، عندَه طعامُ يَومِه، فكأنما حِيزَتْ له الدُّنيا)
والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ترويع المؤمن حتى بالمزاح فما بالك بخطورة فقدان الأمن وما يصحبه من ترويع وخوف، فعن عبدالرحمن بن أبي ليلى - رضي الله عنه - أنَّهم كانوا يسيرون مع النبِيِّ- صلَّى الله عليه وسلَّم - فنام رجلٌ مِنهم، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه، ففزع، فقال النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يَحِلُّ لمسلم أن يروِّع مسلمًا))؛ "صحيح سنن أبي داود".
فعندما تفقد الأمن تصبح أشبه بالإنسان التائهة في الصحراء القاحلة الذي فقد الطعام والماء والمأوى ويرى الموت قادما إليه، وفقدان الأمن يترتب عليه فقدان الكثير من النعم ولا يشعر بقيمته وأهميته إلا من فَقده واحترق بنار تبعاته، ولن تشعر بالحسرة والندم على هذه النعمة إلا إذا وجدت نفسك مرتعبا خائفا لا تأمن على نفسك ومالك وعرضك وتشعر إنك سوف تفقدها في أي لحظة.
سُئل حكيم: أين تجد السّرور؟ قال: في الأمن فإنّي وجدت الخائف لا عَيشَ له.
والأمن والأمان نعمة عظيمة يجب أن نشكر الله عليهما صباحا ومساء كنعمة الصحة والمال والولد والستر.
ومن يتأمل حال بعض الدول التي فقدت الأمن يدرك ذلك ويشاهد كيف الصراع أحرق الأخضر واليابس وأُهلك الزرع والضرع والحيوانات وهُدّمت المباني ونُهِبت المنازل وحتى المساجد لم تسلم وقبل ذلك قُتل البشر واُنتهكت الأعراض وترمّلت النساء ويُتّم الأطفال وقُهر الرجال.
فالأمن والأمان قضية مستقلة لوحدها لا ترتبط بدولة فقيرة أو غنية أو دولة ينتشر فيها الفساد أو تنعم بالشفافية والإصلاح، لذلك نجد حتى أكثر الدول التي يوجد فيها الإصلاح والشفافية تضرب بقوة وبيد من حديد في حالة محاولة الإخلال بأمنها تحت أي مطالب ودعاوى قد لا يكون الإصلاح من بينها لعلمها بأهمية هذه القضية، والمطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد قضية أيضا مستقلة بذاتها لا تعارض بينهما، فالأهم ألا تكون دعاوي الإصلاح ومحاربة الفساد على حساب الأمن والأمان، أو التهوين منه واعتباره قضية هامشية بالنسبة لقضايا أخرى مادية غالبا، فمن يتحدّث عن أهمية الأمن لا يعني إنه ضد الإصلاح، فلا تنطلي عليك هذه الكذبة والفرية.
والإصلاح قد يتحقق في ظل الأمن والأمان لكنه من المستحيل أن يتحقق في حالة فقدان الأمن، بل إنه مدعاة لمزيد من الفساد.
فمن هنا أدعو الجميع للإصلاح ومحاربة الفساد وبالمناداة بالإصلاح وتحسين أوضاع الناس المعيشية وملاحقة المفسدين، دون أن نقلل من أهمية الأمن والأمان ونسخر منه، أو تصبح المطالب على حساب هذه النعمة العظيمة أو ننساق خلف دعاوى لها أهداف ليس لها علاقة بمصلحة المواطن أو حب في الوطن التي تتخذه ذريعة ووسيلة فقط.