منذ أقدم العصور، كان لأصحاب رؤوس الأموال تأثير كبير على مصائر مئات الملايين من البشر ابتداء من جاك كور وصاموئيل برنارد مقرضي الأموال إلى روتشيلد في فرانكفورت، وأسرة بارينغ في لندن، ولامبرت في بروكسل، ومروراً بأسرة مورغان أو أسرة روكفلر في نيويورك.
فعندما استطاع هؤلاء الصيارفة تكديس الثروات، أخذوا يزودون أصحاب التيجان الملكية بالقروض لينقذوا مالياتهم، وينشئوا الجيوش الجرارة، ويشنوا الحروب، ويبنوا القصور والقلاع، وإلى جانب ذلك، كان كبار الصيارفة يحقنون رؤوس الأموال في الصناعات الجديدة ويعطونها قوة ودفعا عظيمين كما أصبحوا مع مرور الزمن، القادة الحقيقيين للعالم الاقتصادي، ويديرون عن بُعد العديد من الحكومات وفي بعض الحالات كانوا يتبوءون فيها المراكز الرفيعة مثل نيكر وجاك لافيت، وغدوا رواداً أكفاء للتحالفات الدولية، أو قادة لفئات متخاصمة كانت موجودة في كل مكان خلف مسرح التاريخ.
يقول جان بوميير في كتابه رجال المال والمصارف يحكمون العالم : في بعض الأحيان كانت ثروات أباطرة المال معرضة للمصادرة، لأنها كانت غير مشروعة وتُخفي وراءها مطامع مظلمة سوداء غير أن الغالبية العظمى من القادة لم يكن لديهم الرغبة ولا الوسائل للتخلص من ضغوط رجال المال الأقوياء الذي كانوا يساعدونهم في تحقيق التوازن بين الموارد والمصروفات في ميزانياتهم، وينقذونهم من التبذير المجنون.
ومع تطور الحياة الديمقراطية في الأمم الكبرى المتطورة، ومع تكريس المجالس النيابية، أصبحت ادوار الماليين رجال المال والمصارف تتم بصورة أكثر سرية وتعقيداً، ولكنها لم تختف، وأصبحت آلياتها أكثر اصطناعا وذكاء وتضليلا، فالسلطات المركزية فقدت السهولة التي كانت تملكها في الماضي لمعالجة الشؤون المالية بشكل خفي, غير أن المؤسسات المالية الأكثر نفوذاً ما لبثت أن تسللت إلى النقاط الحساسة في الآلة الحكومية.
وفي الأيام الحالية، لم تعد أسلحة المال تقتصر على حدود ميادين عملها في الدولة الواحدة بل تعدتها لتصبح عابرة للقارات وكونية, ففي النصف الثاني من هذا القرن حصلت المصارف على قوة هائلة فأقامت فروعها، وعقدت تحالفاتها الثابتة فوق القارات الخمس، وأخذت تستخدم مئات المليارات من الدولارات لتدعيم رؤوس أموالها وأصبحت تملك قوة ردع من الصعب، إذا لم يكن من المستحيل مقاومتها، وغدت مساندتها ضرورية لإيجاد الفعاليات الجديدة وإقامة التوازن في أسواق العملات الصعبة، أو لنجدة الشركات الكبرى والدول المدينة التي تشرف على الاختناق.
لقد بدأ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عصر جديد: هو عصر الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات عابرة القارات والأورو دولار والبترو دولار يقول أحمد عبدالكريم مترجم كتاب جاك بوميير، السابق الإشارة إليه: وفي السنوات الأخيرة ظهر للتداول اصطلاح دولي جديد الفاركو دولار وهو يعني الأموال الناتجة عن تجارة المخدرات وإلى جانب ذلك ظهرت عمليات غسل الأموال، أو تطهيرها، وتشترك في هذه العمليات بعض الدول والمنظمات، والأجهزة السرية والمؤسسات المالية المشبوهة.
ومن جهة أخرى، صاحب هذا التطور الهائل في عالم المال والاقتصاد، تطابق وتعاون وتنسيق يكاد يكون شاملا بين المؤسسات الخاصة (المصارف والشركات المالية) من جهة والمؤسسات المالية والنقدية الدولية.
وفي نفس الوقت، ظهرت بعض التشريعات والقوانين التي تزداد قوة يوما بعد يوم، هدفها الحد من تسلط المؤسسات المالية الخاصة في كثير من بلدان العالم ففي فرنسا مثلا، عندما وصل اليسار إلى السلطة عام 1981م بادر باستخدام أساليب جذرية، فأمّم الإقراض كليا غير أن ديناصورات المال أي المصارف والمؤسسات المالية المتنوعة تبقى أفضل تسليحا.
والحقيقة التي لابد من الاعتراف بها في عالم اليوم، أن السلاح المالي سلاح حاسم في المعارك السياسية التي تدور رحاها بين الشرق والغرب,, وهكذا تصبح الحرب التجارية والمالية، في الظروف الدولية الراهنة، إحدى البدائل الفعالة للحرب الساخنة وتشكل رؤوس الأموال - في كل مواجهات الدول - كتلة مناورة أساسية، وتشكل القروض الممنوحة من الأمم الغنية للدول النامية وسائل ضغط، وتوجد علاقات غير متكافئة.
ومما لاشك فيه، أن المال في كل الأحوال، يشكل عصب الحرب، وأداة للسلم ومفتاحاً للتطور، ومصدراً للسلطة.
[COLOR=#FF003E]
أ . د / زيد بن محمد الرماني[/COLOR]
ـ المستشار الاقتصادي و عضو هيئة التدريس
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
[email]zrommany3@gmail.com[/email]