ما الذي يجعل المدرسة.. المكان الذي من المفترض أن يكون بوابة -للمعرفة- عبئًا ثقيلًا على الطلاب؟ لماذا يتحول صوت الجرس من إشارة لبدء رحلة تعلّم يومية إلى صوت يعلن عن ساعات طويلة من الرتابة والتكرار والضغط؟.
الجواب ليس في صعوبة المناهج فقط، بل في بيئة التعليم نفسها، المبنى، القاعات، الساحة، الممرات، المعلمين.. ناهيك عن الطريقة التي اختزلت العملية التعليمية في حشو ذهني مستمر، يُطالب فيه الطالب بالاستيعاب دون تجربة، وبالحفظ دون فهم، وبالالتزام دون اختيار.
المدرسة لم تعد مكانًا يثير الفضول، بل تحولت إلى مؤسسة لإجبار العقول على استيعاب كمٍّ هائلٍ من المعلومات، دون أن تمنحها مساحة لاكتشاف ذاتها. حتى أوقات الفراغ لم تسلم، فالواجبات وأوراق العمل تلاحق وتتطفل على الطالب حتى في منزله، ليجد نفسه محاصرًا بين التلقين المدرسي والواجبات المنزلية، دون فرصة حقيقية لاستكشاف شغفه أو بناء مهاراته.. أو حتى ببساطة أن يقضي بقية يومه في اللعب والترفيه، حقٌ مشروع، ناهيك!! عن التزامات نهاية الأسبوع.. فربما يترك رحلة العائلة للبحر لأن هناك بعض اوراق العمل والواجبات.. النتيجة؟ كره متزايد للمدرسة، شعور بالضجر، وتخرج أجيال بلا اهتمامات حقيقية، بلا رؤية، بلا شغف، لأن النظام التعليمي لم يترك لهم الوقت لاكتشافه. لكن هل يمكن تغيير هذا الواقع؟ هل يمكن تحويل المدرسة إلى مكان يحبه الطلاب، لأنهم يجدون فيه شيئًا يمثلهم، يثير فضولهم، يساعدهم على فهم العالم من حولهم؟ الجواب نعم، والحل بسيط لكنه ثوري -كش ملك- : إعادة إحياء حصة النشاط، ولكن ليس بشكلها التقليدي العشوائي، بل بتحويلها إلى مساحة حقيقية للاستكشاف والتجربة.
الفكرة: ساعة ونصف يومية للنشاط، مقسمة إلى خمسة مسارات رئيسية أو أكثر، بحيث يختار الطالب المسار الأقرب له، ويستكشف خلاله خمسة مجالات فرعية متنوعة. بهذه الطريقة، لا يتحول النشاط إلى مجرد وقت فراغ، بل يصبح نقطة انطلاق نحو المستقبل..
فمثلًا الفلاحة، النجارة، الحدادة، والبناء ليست مجرد مهن تقليدية، بل هي أساس الحضارة. كيف يُمكن أن تزرع الصبر لطفل إذا لم يلمس بيديه الطين، إذا لم يقم بتركيب خشبة فوق أخرى ليصنع بابًا، أو يشعل نار الحدادة ليرى كيف يتشكل الحديد تحت ضربات المطرقة؟ حين يدرك الطالب كيف تُبنى البيوت، وكيف تُزرع الحقول، ستدرك حينها أن إبعاد الإيدي العاملة تنفّذ بخطوات بسيطة.. والرياضة؟، عقل وتخطيط. حين يعرف الطالب كيف بدأ أول كارت أحمر في كرة القدم، ولماذا كانت ثلاثية أياكس بقيادة يوهان كرويف أعظم درس في التكتيك الرياضي، أو أسلوب الكرة الراقصة للمنتخب البرازيلي الذي سماه الأوروبيون آنذاك -أسلوب الشوارع المتسخة- كسخرية، قبل أن يتحول ذلك الى 5 بطولات كاس عالم، وكيف غير مايكل جوردان مفهوم كرة السلة في أحياء أمريكا، سيبدأ في رؤية الرياضة كمدرسة، وهنيئاً لنا بجيلٍ من اللاعبين -والمدربين- وقِس ذلك على بقية الرياضات…
وفي المسرح والسينما: عندما تجعل الطالب يشاهد فيلمًا وتقومون بتحليله.. يفهم حينها ما الذي يجعل فيلمًا يعيش لعقود بينما تُنسى أفلام أخرى بعد أيام؟ كيف بدأ المسرح من الإغريق إلى العرب، وكيف تحولت السينما المصرية إلى ذاكرة بصرية للأمة؟ حين يعرف الطالب كيف يفكر المخرج، وكيف يصنع الممثل دوره، فأنت تعد ممثل ومخرج وكاتب للمستقبل بل وحتى ناقدًا ومبدعًا، يرى العالم من زوايا أعمق. والموسيقى العربية اللذيذة، وتاريخ الأغنية السعودية، قد لاتحتاج الى مؤرخ، فسينهض جيل كامل دفاعًا عن إرثنا الموسيقى-السعودي- والعربي وكم سنحظى بأصوات، بعازفين، ملحنين، أقلها؟ متذوقين… الحديث عن فوائد ومساحة هذه الحصة مطوّل والتفكير فيه بحر، فأنت تترك نافذة حقيقية للطالب أن يلمس مايحب.. الفكرة كاملةً في طرح الحياة الواقعية في مقر العلم ذاته، لأن تعلّم علوم -تُعتبر- زائفة للواقع هو إستمرار لضياع أجيال متتالية، وإبطاء من الوصول للرؤية السعودية العظمى.
القرار لديكم.. إما أستمرار فشل أو كَش مَلك في سنوات قليلة.. فهناك من هو متشوق ليمتهن هذه الحصة ويقدمها للطلبة.
التعليقات 1
1 pings
محمد بن ربيع الغامدي
03/04/2025 في 2:54 ص[3] رابط التعليق
مساء النور وكم حركت في داخلي من شجن يابن العطاف. النشاط الطلابي كان شغلي الشاغل في كل حياتي العملية ولكن رسالتي حوله ضاعت تحت سنابك خيل التقليديين من رعاة الحفظ والتلقين.
أكبر فيك هذا الاهتمام وأتمنى أن تصل رسالتك .