بعد أكثر من عقد من القطيعة السياسية تشهد العلاقات بين سوريا والسعودية تحولاً جذرياً يعكس التغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة فالسعودية التي تتبنى نهجاً جديداً قائماً على الدبلوماسية الفعالة تعيد رسم سياساتها الخارجية لتشمل إعادة تأهيل دمشق في الفضاء العربي وفي المقابل تسعى سوريا التي أنهكتها الحرب والعقوبات إلى استعادة مكانتها الإقليمية والاقتصادية عبر بوابة الرياض.
إن المملكة العربية السعودية اليوم ليست كما كانت قبل عقد من الزمن فمع رؤية 2030 التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تغيرت أولويات السياسة السعودية من المواجهة إلى التهدئة ومن الصدام إلى بناء التحالفات الاستراتيجية التي تضمن استقرار المنطقة بما يخدم أهداف السعودية في مجال التنمية الاقتصادية والسياسية.
أما سوريا التي خرجت من حرب طاحنة أضعفت اقتصادها ومكانتها الإقليمية فتجد في هذا التقارب فرصة ذهبية لإعادة الاندماج في النظام العربي بعد أن أدرك النظام السوري أن عودته الكاملة إلى الساحة الدولية لا يمكن أن تتحقق دون دعم الدول العربية الكبرى وعلى رأسها السعودية.
ولكن رغم الانفتاح السعودي على دمشق إلا أن الطريق ليس مفروشاً بالورود فهناك قضايا معقدة تحتاج إلى حلول توافقية مثل النفوذ الإيراني في سوريا رغم أن أفوله أوشك على الحدوث إذا أنتبهت القيادة السورية لذلك خاصة وأن التاريخ الإيراني في المشهد السوري لا يشفع لإيران وميليشياتها.
ختاماً إن سوريا الوليدة الخارجة من رماد الحرب تجد نفسها اليوم في أحضان السعودية الجديدة التي تسعى إلى بناء سياسات أكثر براغماتية واستقراراً وهذا التحول ليس مجرد خطوة تكتيكية بل هو بداية لعهد جديد في العلاقات العربية-العربية حيث تحل المصالح المشتركة محل الصراعات الإقليمية ورغم العقبات فإن إعادة سوريا إلى الحضن العربي قد يكون مفتاحاً لإعادة ترتيب المشهد الإقليمي بشكل أكثر ثباتاً واتّزاناً.