قال ابن القيم - رحمه الله -: "الفتنةُ نوعان: فتنة الشبهات - وهي أعظم الفتنتين -، وفتنة الشهوات، وقد يجتمعان للعبد، وقد ينفرد بإحداهما.
إلى أن قال رحمه الله : "وأصلُ كل فتنةٍ إنما هو من تقديم الرأيِ على الشرع، والهوى على العقل؛ فالأولُ: أصل فتنة الشبهة، والثاني: أصلُ فتنة الشهوة … إلى آخر كلامه رحمه الله " (كتاب إغاثة اللهفان ).
فمن عجائب هذا الزمان أن تجد كاتباً أوتي قلماً سيّالاً ، ولم يؤتَ علماً شرعياً ، فيسب بعض الصحابه رضوان الله عليهم ، ويصفهم بالمكر ، والخيانة ، والغدر ، ويسب نبينا موسى عليه السلام ، ويكفّر المجتمعات ، وعنده طوام في تفسير القرآن ، فيظهر لنا من ظاهرهم الصلاح والتديّن ، فيقرؤون له ، ويدافعون عنه ، ويحبونه ، ومنهم للأسف الشديد دعاة يعتلون المنابر ، ويدعون الناس ، والأدهى ، والأمر أنّ هؤلاء القوم الذين يحبون هذا الكاتب ويدافعون عنه ، لو ظهر عالم من العلماء ، أو طالب علم ممن هم على المنهج الحق منهج السلف الصالح ، وبيّن أخطاء شيوخ هؤلاء القوم ، لغضبوا ، وأقاموا الدنيا ، ولم يقعدوها ، وحذّروا النّاس منهم ، فانظروا إلى هذه الشبهة العظيمة التي جعلت هؤلاء القوم يدافعون عمّن يسب الصحابة رضوان الله عليهم ، ويسب نبينا موسى عليه السلام ، ويهاجمون من يبين أخطاء شيوخهم ، ويحذّرون الناس منهم ، فغضبوا لشيوخهم ، ولم يغضبوا لنبي الله موسى عليه السلام ، ولم يغضبوا لصحابة نبينا صلى الله عليه وسلم .
وإذا كان شيوخهم ينتمون ، أو يُؤيّدون جماعة من الجماعات ، انتصروا للجماعة ودافعوا عن الباطل ، وهم لا يشعرون ، ولا يريدون سماع الحق من العالم الفلاني ، او طالب العلم الفلاني .
أَمِن المعقول أن نجد هذه العقول !!
نعم وبكثرة .
فشيوخهم يصدونهم عن العلماء الكبار ، ويحذّرونهم منهم لكي يسمعوا ، ويطيعوا لباطلهم ، ولو أنهم سمعوا للعلماء الكبار حتماً سيعرفون الحق ، ويتركون الباطل - إنّها الشبهات -التي تقود صاحبها إلى الهاوية ، فتجعل قلبه يمتلئ غلاًّ على ورثة الأنبياء ، كما قال صلى الله عليه وسلم :"العلماء ورثة الأنبياء " قال ابن باز رحمه الله فهذا معروف، وله طرق، وهو جيد .
وكذلك تملأ قلبه غلاًّ على ولاة أمره المسلمين ، ووطنه الذي تعلم وترعرع وتربى فيه . قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ..)
ومن عجائب هؤلاء القوم أنهم يقدمون كلام شيوخهم على كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، فعندما يعتلي شيخهم المنبر ، ويتكلم في حاكم مسلم ويصفه بالطاغوت وغيرها من العبارات ، فإذا أنكر عليهم عالم أو طالب علم وحدّثهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : "مَن أرادَ أن ينصحَ لذي سلطانٍ في أمرٍ فلا يُبدِهِ عَلانيةً ولَكِن ليأخذْ بيدِهِ فيَخلوَ بهِ فإن قبِلَ منهُ فذاكَ وإلَّا كانَ قد أدَّى الَّذي علَيهِ لَهُ "
أخرجه أبو عبيد في الأموال ، والطبراني في مسند الشاميين وأبو نعيم في معرفة الصحابة .
ووصفوه بأنّه من علماء السلطان ، أو جامياً ،وغيرها من الألقاب .
السؤال المهم لماذا هذه الألقاب ؟
الجواب لكي ينفّروا الناس من الحق ، ويستمروا معهم في باطلهم مع العلم أنّ الذي قال (فلا يُبديه علانية) هو النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلّا وحيٌ يوحى.
فإذا كانوا يرون أن الحكام المسلمين كفار ، فهذا منهج الخوارج الذين كفّروا عثمان وعلياًّرضي الله عنهما وقتلوهما .
والخوارج قال فيهم النبي صلى وسلم هم كلاب النار.
وجاء عن أبي أُمامةَ أنّه رأى رؤوسًا مَنصوبَةً على دَرَجِ مسجِدِ دمشقَ ، فقالَ أبو أمامةَ ، كلابُ النَّارِ شرُّ قتلى تحتَ أديمِ السَّماءِ خيرُ قَتلى من قتلوهُ ، ثمَّ قرأَ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ إلى آخرِ الآيةِ ، قلتُ لأبي أمامةَ : أَنتَ سمعتَهُ من رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ؟ : قالَ : لَو لَم أسمَعهُ إلَّا مرَّةً أو مرَّتينِ أو ثلاثًا أو أربعًا- حتَّى عدَّ سَبعًا- ما حدَّثتُكُموهُ .
الحديث أخرجه الترميذي وقال الألباني حسن صحيح
فهم إذاً خطر على الإسلام ، والمسلمين فهم طبقوا مقولة اليهودي عبد الله بن سبأ ، وهم لا يشعرون ، ذكره الطبري في تاريخ الرسل : (ابدأوا بالطعن في أمرائكم ، وأظهروا الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر تستميلوا قلوب الناس وادعوهم إلى هذا الأمر ).
أسأل الله أن يرينا وإياهم الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا وإياهم الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .
والسلام أجمل الختام.
بقلم / عبدالله بن حامد الشهراني.