ليس هناك أي سيارة مهما كانت ذكية أو كفؤة في استخدام الوقوف تستطيع القضاء على تمدد الإعمار الذي يلتهم الأراضي، وهو أحد الآثار الوخيمة للاعتماد المتزايد أبدًا على السيارات، وأحد العوامل الرئيسة على تعزيز وجودها.
وبالنسبة لمعظم الناس، فإن القدرة على امتلاك التقنيات الجديدة ليست أكثر من المقدرة على امتلاك السيارات التقليدية.
وزيادة على ذلك، فإذا كان تخضير السفر بالسيارات من شأنه مجرد استدامة السعي المعتاد للتنقل والانتقال، فإنه حتى أصحاب السيارات أنفسهم لن يكون بإمكانهم الوصول إلى الأماكن والأشياء التي يريدونها بطريقة أفضل.
ففي عام 1950م كان هناك سيارة لكل 46 إنسانًا بالنسبة للعالم ككل، وتنامى أسطول السيارات العالمي بصورة سريعة عندما بدأ الناس في الدول الصناعية يمتلكون السيارات في الخمسينيات والستينيات، الأمر الذي ضاعف ثمان مرات العدد الإجمالي للسيارات بحلول التسعينيات. بعض هذه الزيادة بسبب التغيرات التي طرأت على أوضاع الأسر، مثل: عدد الرحلات الزائدة للعمل التي تقوم بها النساء العاملات خارج المنزل.
ولكن الكثير من هذه الرحلات يعكس الحلقة المفرغة التي يقود الاعتماد على السيارات فيها إلى عدم الكفاءة في استخدام الأراضي، والذي ينجم عنه زيادة قيادة السيارات.
حقًّا إنها حلقة مفرغة؛ كثرة سيارات تؤدي لنقص في كفاءة الأراضي، تؤدي إلى زيادة قيادة السيارات.
لقد تحوّل نمو المدن والضواحي خلال العقود الأخيرة بشكلٍ لافت بعيدًا عن المجتمعات المتراصة التي سادت في الماضي الذي سبق ظهور السيارات نحو الامتدادات العمرانية متناثرة السكان.
وأصبحت أنماط استخدام الأراضي في الوقت الحاضر غير ملائمة فيما يتعلق بالمواصلات؛ إذ لا تتطلب مجرد القيام برحلات طويلة، وغالبًا لا تنفع فيها إلا السيارة بصورة خاصة فحسب، بل تتطلب رحلة خاصة لكل غرضٍ من الأغراض.
ويمكن رؤية آثار استخدام الامتدادات العمرانية في عدد الرحلات اليومية التي يقوم بها الناس لأداء أعمالهم.
والامتدادات العمرانية المعدة على أساس أن ساكنيها يمتلكون سيارات هي عالية التكلفة لأكثر من سبب، فالخسارة الناجمة عن هذا النوع من المساكن تتضمّن فقدان الأراضي الزراعية الثمينة، واختفاء أنواع من النبات والحيوانات؛ نتيجة لتقلص الغابات وغيرها من المناطق الطبيعية البيئية.
كما أن تقديم خدمات التخلُّص من مياه الفضلات وغيرها من الخدمات للمساكن المتباعدة المتناثرة هنا وهناك يكلف الحكومات المحلية أكثر بكثير بالنسبة للأسرة الواحدة في المعدل المتوسط.
كما يصيب الهُزال الصحة الاقتصادية للمدن، مع انتقال الناس والوظائف إلى الضواحي الخارجية.
ويؤدي هذا الاستنزاف إلى حدوث أقسى المصاعب لسكان المدن الذين لا يملكون القدرة على الانتقال للعيش في الضواحي، وبحكم أنهم لا يملكون سيارات، لا يستطيعون الوصول إلى أماكن العمل القائمة في الضواحي.
ولربما كانت أكثر التكاليف انتشارًا بالنسبة للامتدادات العمرانية أيضًا هي تلك التكاليف التي لا يمكن تحديدها من الناحية الكمية.
فالتطوير الإسكاني المتجانس ذو الكثافة القليلة ظل يرتبط بالعزلة الاجتماعية التي تزداد سوءًا، وبفقدان مفهوم الجيرة الحسنة، ففي كثيرٍ من مثل هذه الامتدادات العمرانية يشبُّ الأطفال وهم عاجزون عن اللعب مع أصدقائهم ما لم يقم أحد كبار السن بنقلهم بالسيارة إلى أماكن أخرى يوجد فيها أصدقاء لهم.
إن توفير الوقت - المزعوم - الذي يصبح ممكنًا نتيجة لسرعة السيارات، يبدو سرابًا بصورة خاصة، ويتبدد على ضوء الاختناقات المرورية التي تشل المدن الكبرى في العالم.
إذ توحي المقارنات العالمية بأن التنقل بالسيارات يوفّر من الوقت أقل مما يُفترض، ويسوق "وايتليغ" مثلاً الأدلة على أن الناس ينفقون الوقت نفسه تقريبًا عند السفر، بغض النظر عن مدى المسافة التي يقطعونها، وعلى حد قوله: فإن معنى هذا العمل التجريبي هو أن الوقت الذي نوفّره نصرفه في قطع المزيد من المسافات.
مع ذلك، وفي خاتمة المطاف، فلا بد لنا من إصلاح استخدام الأراضي، وسيتطلب الأمر تبني أشكال السفر المحمودة بصورة أكبر، وسيعزز كذلك التغييرات الأساسية على الطريقة التي يتم بها رسم النشاطات على طول المنظر الطبيعي وعرضه؛ إذ كلما قصرت المسافة، زاد احتمال قيام الفرد الواحد منا بتحقيق ما يريد تحقيقه، دون حاجة إلى الصعود إلى السيارة.
وقد آن أوان ذلك.
للتواصل : zrommany3@gmail.com
أ . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار الاقتصادي
وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية