تابعت باهتمام المادة التلفزيونية التي عرضتها فضائية "BBC" صباح اليوم الجمعة الثاني من شهر يونيو الجاري في تمام الساعة التاسعة والنصف، والتي أبرزت مدى قوة مجموعة "بريكس" الاقتصادية المذهلة ، وقدرتها على قيادة العالم، كما لفت انتباهي اللقاء الشيق للدكتور ماجد التركي رئيس مركز الإعلام والدراسات العربية – الروسية، مع إحدى القنوات الفضائية حول مشاركة المملكة لاجتماعات المجموعة.
وخلصت من حديثه إلى مدى أهمية الاقتراح المطروح بانضمام المملكة إلى "بنك بريكس" وهو الكيان المقابل لصندوق النقد الدولي وظيفياً، فالقيمة الاقتصادية لهذه المجموعة في كونها تمثل 50% من ديموغرافية العالم، كما تتجاوز الناتج المحلي لمجموعة الـ7 الصناعية.
كما ترجع أهمية اجتماعات المجموعة، هو تجاوز الإشكاليات السياسية الدولية، والتي هي في عمقها اقتصادية، فالقوة الاقتصادية الحقيقة المساندة لـ"بريكس" هي مجموعة منظمة "شنجهاي"، الفاعلة اقتصاديا وسياسيا، والتي يترأسها كلا من روسيا والصين والهند.
وفي تقديره ورأيي الشخصي، فإن انضمام المملكة إلى "بريكس" لترابط المصالحة الاستراتيجية، الغير مباشرة ، أما المصالح المباشرة فتتمثل أنها ستكون متنفس للاقتصاد السعودي، لكون التعاون بين الشركات السعودية والروسية شهد نوعا من التباطؤ، بسبب العقوبات المفروضة على روسيا عقب الحرب في أوكرانيا.
كما أن الاستثمارات المتبادلة بين وروسيا وبعض الدول تجد معوقات مالية بسبب تلك العقوبات الغربية على موسكو، من هنا ترجع أهمية "بريكس" لكونها خارج نظام "سوفت"، أذ لهذه المجموعة نظام مالي واقتصادي متكامل خاص بها ، من حيث التداول والتحويل بعيدا عن "سوفت"، من هنا يمكن الشركات السعودية والروسية وغيرها من التحرك في هذه الفضاء المالي الرحب.
في المقابل يعاني الاقتصاد الأمريكي عقب جائحة فيروس كورونا والحرب في أوكرانيا، جراء تنامي الدين العام، الذي تجاوز31.5 ترليون دولار، والعجز عن سداد الدين، فأزمة سداد الدين ستنعكس على المؤسسات المالية والبنكية الحكومية، مما يؤدي إلى حدوث انهيارات متسارعة.
كما أن رفع سقف الدين بمثابة حل مؤقت ومسكن متوسط المفعول، سيؤدي إلى تقليل الألم دون معالجة المرض، بمعنى أنه سيعمق من إشكالية الاقتصاد الأمريكي في الميزانية والالتزامات المالية.
وهنا طُرحَ تساؤل وهو أنه على الرغم من كل هذه الأزمات المالية التي تعاني منها الولايات المتحدة لماذا تغافلت مؤسسة كبيرة مثل "موديز" عن إصدار تصنيف مالي يكشف مدى تأثر الاقتصاد الأمريكي من أزمة عجز لسداد الدين، مثلما تفعل هذه المؤسسة مع العديد من الدول التي تأثرت مالياً.
كما أن هناك تساؤل اخر يتمثل في هل مجموعة "بريكس" قادرة على ضم دول أخرى مثل مصر وتركيا اليها، حقيقة أن المجموعة لازالت في طور الازدهار بمعنى أن أي عمليات ضم لدول جديدة سيكون بمثابة عبء على كاهلها، خاصة في الفترة الراهنة، كما أن التسرع في ضم دول جديدة سيكون غير موفق في تقديري الشخصي، وغيري كثير لكون "بنك بريكس" لازال في المرحلة التأسيسية.
كما أن ضم الإمارات- وهو أمر تم طرحه- إلا أن انضمامها سيكون عبء مزايا، رغم أن لديها قدرة مالية، لكن لديها ارتباط مالي قانوني لازال مع دول الغرب، عكس المملكة التي استقلت في العديد من قرارتها الاقتصادية، لذا من المهم أن تكون خطوات "بريكس" مُتباطئة في انضمام الدول.
واعتقد أنه إذا أصبحت "بريكس" تعتمد على مجموعة من الدول الفاعلة، مالياً و انتاجياً، ولديها سوق فاعل، ستستطيع الوصول بكل سهولة إلى السوق الأفريقية، في المقابل أن الاقتصاد الأوروبي بدأ يتسارع في الانكشاف، بسبب الخلاف بين أوروبا وأفريقيا، بسبب احجام العديد من الدول الأفريقية في توريد المواد الخام لأوروبا.
وفى الختام أتوقع جازماً كثير من المخططيين الاستراتيجيين حقاً أن "بريكس" هي الوجهة الاقتصادية العالمية القادمة، والولايات المتحدة تدرك ذلك، لا سيما أن المجموعة بدأت في إصدار عملية رقمية "دولار" لمواجهة الدولار الأمريكي، من ناحية ومواجهة العملات الرقمية من جهة أخرى.
فالخوف الذي يراود الولايات المتحدة، في أن تسحب "بريكس" البساط من تحت قدميها ، ويتحول المخزون الدولاري لعديد من دول العالم متدني القيمة لا سيما أن دول هذه المجموعة يكون التبادل التجاري بينهم بالعملة المحلية.
والمؤكد أن هناك قبول لدى العديد من دول" بريكس" بانضمام المملكة كعضو فاعل داخل المجموعة لتأثيرها الاقتصادي والسياسي في منطقة الشرق الأوسط، كما أن المملكة ترى أن "بريكس" قادرة على مواجهة العديد من المشاكل في العالم مثل قضية الفقر التي استفحلت بسبب الأزمة في أوكرانيا.
كما أن "بريكس" قادرة على التغلب على ما يظهره الغرب من تكبر اقتصادي على الدول النامية من منطلق أن الاقتصادي الغربي هو الخيار الوحيد للتنمية في العالم، وهي فكرة أخذه في التلاشي مع تنامي القدرات الاقتصادية للمجموعة. والله أعلم.
وفي الأخير، أستشهد بتصريحات وزير الخارجية الهندي سوبراهمانيام جايشانكار، التي نقلها أحد ضيوف الإعلامي بهيئة الإذاعة البريطانية “BBC” حمدان جرجاوي أحد جهابذة الاعلام العالمي وهي تتفق مع رؤيتي حول تطلعات وقدرات مجموعة "بريكس" حيث علق قائلا: نحن رمز للتغيير في عالم متعدد الأقطاب"، إذ اختصر أهداف المجموعة في 6 كلمات فقط .والله أعلم.
العميد الركن م : عبدالعزيز بن منيف بن رازن.
أستاذ كرسي الإعلام الجديد بجامعة الملك سعود.