إن العمل التطوعي هو أن تعطي من دون إجبار، وأسمى من ذلك أن تبذل من دون إخبار، وتعطي طواعيةً من نفسك، واستشعاراً برغبةً داخليةً منك.
فالأعمال التطوعية موجودة من السابق وصورها وقصصها من القرآن متعددة.
الله عز وجل في كتابه الكريم يقول :" فمن تطوع خيراً فهو خيرٌ له".
وهناك آية فيها من التعدد الجميل للأعمال التطوعية على مستوى الشخص بذاته وعلى مستوى الغير يقول تعالى : "لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ". البقرة 177
ويقول تعالى في سورة الإنسان :" وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا - إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا".
فهذا هو ديدن الذي يتلذذ ويستشعر بركة العمل التطوعي فهو لا ينظر إلى المقابل ولا يلتفت إلى المردود بل يريد ما عند الله تعالى.
لنعلم ما لأهمية العمل التطوعي في نفس الفرد مما يجعلنا ندرك أهمية نشره بين أبنائنا وطلابنا في المدارس خصوصاً مع الدعم الذي تحظى به الوزارات والجمعيات الأهلية بتوفر إدارات ووحدات متخصصة في العمل التطوعي.
ولا شك أن غرس أهمية العمل التطوعي في نفوس أبنائنا الطلاب يبدأ من المنزل والمسجد والمدرسة.
وقد حكى الله لنا من قصص القرآن وجماليات العمل التطوعي والصفات العظيمة التي لا يستطيع عليها إلا كبار النفوس ومنها :
- قصة ذي القرنين وكيف ذكره الله في القرآن حتى يكون مثالاً في قضاء حوائج الناس، وكيف جعل الله على يديه بناء السد الذي كان سبباً لكف الشر والإفساد الذي لقيته البشرية حينها من يأجوج ومأجوج، فأصبح الناس بعدها ينعمون برغدِ العيش، كما هو مذكور في آواخر آيات سورة الكهف من قوله تعالى : "قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا". الآية 94
ومن الصور الجميلة في قوله تعالى : "وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ". فهم يقدمون خدمة الآخرين ومصلحتهم العامة على المصلحة الشخصية الخاصة.
- لابُد لنا من استثمار هذه النماذج الإيجابية وبثها في نفوس طلابنا، والتحفيز الدائم والمستمر عن طريق المعلمين وإقامة الندوات التعريفية والدورات التدريبية وإكساب الفرد قيمة العطاء والتعاون وإقامة الحملات والمبادرات التطوعية التي تكسب الطلاب المعرفة والمهارة في الوقت ذاته.
- ما نشاهده في الحج لمجموعة "الكشافة" من منسوبي وزارة التعليم من معلمين وطلاب لخدمة حجاج بيت الله من التائهين لإرشادهم وتوجيههم لمساعدتهم أمر إيجابي وظاهرة فريدة من نوعها.
وما نشاهده في شهر رمضان من فرق تطوعية تقوم على تفطير الصائمين لمشهد يسر الناظرين وغيرها الكثير والحمد لله جلّ وعلا.
- فنحن بحاجةٍ إلى بث روح العمل التطوعي في مناهجنا ومجتمعاتنا. والاستفادة من الكوادر المتميزة لتأهيل المعلمين وجعلهم يتبنون مفهوم وثقافة العمل التطوعي ويعملون بقدراتهم وإمكاناتهم المتاحة.
- للعمل التطوعي فوائد فردية منها :
1- تحصيل الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى.
2- استدامة النفع والأجر حتى بعد الموت ففي الحديث ("إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ : صدقةٍ جاريةٍ ، وعلمٍ ينتفعُ به ، وولدٍ صالحٍ يدعو له".
فالصدقة عمل تطوعي والعلم كذلك.
3- الشعور بالرضا والإنجاز والسعادة، فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من مشى فى حاجة أخيه حتى يقضيها له أظله الله عز وجل بخمسة وسبعين ألف ملك يصلون عليه ويدعون له إن كان صباحاً حتى يمسى وإن كان مساء حتى يصبح ولا يرفع قدماً إلا حط عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة.
4- الثقة بالنفس والقدرة في مواجهة المشكلات.
5- اكتساب العديد من المهارات الحياتية
6- استثمار المواهب والقدرات الذاتية في خدمة المجتمع.
⁃ وأمور مهمة نشير إليها وهي :
1- في العمل التطوعي ينبغي أن تكون مخلصاً للنية.
2- الإرادة وأن هذا العمل قد صدر من رغبة ذاتية.
3- الالتزام وتحمل المسؤولية وعدم المخالفة بأي حال من الأحوال.
4- العمل بروح الفريق الواحد وبما يسمى بالعمل الجماعي.
5- التخطيط والتطوير لما ستقوم به من أعمال تطوعية بعيداً عن العشوائية.
6- عدم مخالفة الأنظمة والقوانين والعمل تحت المظلات الرسمية.
هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
بقلم : سلطان بن علي الحكمي
قسم المناهج وطرق التدريس
كلية الدراسات العليا التربوية
جامعة الملك عبدالعزيز.