إن السلوكيات الاستهلاكية بدأت تتغير اليوم ، إما بسبب ثورة المتغيرات والإنتاجية الكبيرة، أو لأننا ننتهج مسلكاً استهلاكياً لإخفاء شيء معين في نفوسنا، كمستوانا المالي أو الثقافي مثلاً. ولذلك كان خيارنا عشوائياً، حسب ما يمليه ذوق المصمم أو حسب النص الإعلاني في التليفزيون، ولا خيار لنا كمستهلكين. ففي بعض الأحيان نشتري بضاعة لا لتلبية حاجة خاصة، بل لأنها ظهرت في إعلان مثير. إن شريحة كبيرة في مجتمعنا الاستهلاكي لا تتابع بدقة واهتمام وموضوعية مجريات الأحوال السوقية داخل وخارج بلادنا. ثم إن كثيراً من المستهلكين تستهويهم وتثير أحاسيسهم الاستهلاكية عقدة الندرة، فكل شيء نادر، يتسابق الناس لاختطافه من الأسواق.
يقول فرانسوا دال في كتابه ((مستقبل السياسات الإدارية)): ((إن غزو المستهلك لشيء مثير...)). إن ما تعمد إليه بعض الشركات المنتجة من إحلال سلع مماثلة أقل جودة، وبالطبع أقل سعراً، ليقبل الناس عليها، حتى تزول السلع الأصلية من السوق، وعندها ترفع سعر السلعة المثيلة، إن هذا نموذج من نماذج إغراء المستهلك، وأسلوب من أساليب غزوه.
إن النظم الاقتصادية اليوم تندفع وتحت ضغوط منافسة لا ترحم لإنتاج ملايين السلع التي لا تمثل احتياجاتٍ حقيقية للبشر، بل لتلبية الرغائب البشرية غير المحدودة. ولذا، قام نظام إعلاني هائل يتميز بالجاذبية والجَوْر والتكلفة في نفس الوقت، لإيجاد الرغائب وتسعيرها لسلع لم نكن في حاجة إليها ألبتة.
لقد أعلن خبراء مركز الاتصال المتقدم CCA التابع لمجموعة إيروكوم هافاس بباريس في مارس 1989م دراسة استغرقت عامين عن أساليب الحياة السياسية وأنماط الاستهلاك ووسائل الإعلام في 23 بلداً أوروبياً. وقد تمخضت الدراسة عن اكتشاف تنويعات عديدة في الشخصية الأوروبية مثل البريطاني الذي يمثل النمط المعادي للأجانب، السعيد بالعيش في مجتمع الغابة الذي لا يأبه كثيراً للمسئولية الاجتماعية، وأنماط أخرى مثل الأوروبي الغيور والأوروبي الأخلاقي، والأوروبي المتساهل... إلى أن تصل الدراسة لستة عشر نمطاً.
وفي دراسة أخرى أعدتها صحيفة الصنداي تايمز عام 1989م كذلك، خلصت إلى أن هناك مجموعات أربع عالمية تسيطر على سوق الإعلان هي الأمريكية والبريطانية والفرنسية واليابانية، وأن العناوين الإعلانية الكبيرة هي: البنوك، السيارات، العطور، العزاء، وأن الأموال المخصصة لدراسة الإعلان والأسواق تقدّر بنحو خمسة مليارات دولار في العالم كله.
وتقول الإحصاءات الأخيرة، أن من العوامل التي تمثل نمطاً في الحياة يؤذي البيئة: السيارات، والبيوت الفخمة، ومراكز التسوق الكبرى، والسلع الاستهلاكية، ونوع الطعام المرتكز على الإفراط في أكل اللحوم، والغذاء غير الصحي.
إن الأسواق الاستهلاكية في منطقة الخليج تتميز بشدة التنافس والحيوية، وتتأثر مبيعات هذه الأسواق بمجموعة من المتغيرات بما في ذلك القوة الشرائية للمستهلك والمستويات العامة للأسعار وسمعة العلامة التجارية للسلعة، وتغير حجم وطبيعة العمالة الأجنبية في المنطقة..
ومن العبر والدروس المستقاة من هذا الإعلام الاستهلاكي ما يلي:
- الناس لا يتابعون باهتمام الأنماط المتغيرة للصناعة.
- ليس لدى المستهلك المحلي معلومات أو تفسير، لأسباب اختفاء أو وجود سلع معينة من السوق.
- ينقص المستهلك الوعي الاستهلاكي، وتغيب عن السوق الاستهلاكية الرقابة على جودة السلع وأسعارها إلى حد ما.
- المستهلك في حاجة إلى إعلام استهلاكي واع يعلمه أسلوب التعامل مع كل جديد ، إعلام خليط من الفن، والحرفية، والتجارة، وشيء من التقنية.
إذن، لابد أن نتحرك معاً، في اتجاه تصحيح إعلامنا الاستهلاكي، وأوضاعنا الاستهلاكية، ووسائل التسويق، والدعاية والإعلان، من خلال القنوات المتاحة لنا، للمساهمة في رفع مستوى مفهوم الاستهلاك لدى المستهلكين.
أ . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار الاقتصادي
وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التعليقات 1
1 pings
محمد الشيخلي
16/02/2022 في 4:51 م[3] رابط التعليق
ياتي هنا دور الاعلام والتوعية بترشيد وتحييد ثقافة الاستهلاك ، واخص منهم الاعلام الاسلامي الذي يقع عليه اليوم دورا كبيرا باعتباره منبرا اعلاميا مؤتمنا في ايصال الخير للناس جميعا ، ومن الادوار التي تقع على عاتقه التوعيه وثقيف المجتمعات الاسلامية بحسن الاستهلاك ، والوسطية والاعتدال فيه، واختيار المنتج الصالح المباح، وحرمة استهلاك السلع المحرمة، والتفكير بطبقة الفقراء والمحرومين، وغيرها من القضايا الاقتصادية التي تصب في النهاية في دعم الاقتصاد القومي، من خلال افشاء المبادئ الاسلامية في الاقتصاد الاسلامي…..
(0)
(0)