يتضجر البعض من الأزواج الحمقى والجُهلاء وأصحاب العنتريات منهم ويتشاجرون مع زوجاِتهم بسبب أنها تلد البنات أو مجموعة من البنات
إسمع لقول الله تعالى :
﴿ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾.
بل تصل الأمور إلى القطيعة ثم الطلاق بزعمة أنها لا تلد إلا البنات وكأن الأمر بيدها وهذه جاهلية ما زالت مترسخة في أذهان البعض حتى وإن أوتي حظاً من العلم والمعرفة ، ومن وجهة نظري بأن هذا الأمر فيه اعتراض على أقدار الله وعلى صاحب هذا الفكر أن يُراجع إيمانه فإنه ناقص ويتمتع صاحبه بجهلٌ مركب في فكره وثقافته وهذه النوعية من الذكور تحتاج إلى إعادة تأهيل .
يحكي أرض الواقع لنا قصصاً كثيرة بأن النساء يتفوقن على كثيرٍ من الرجال في أمور عدة منها بر الوالدين وخدمتهم والإهتمام بهم بل لديهن الاستعداد لترك الزوج والأولاد والوظيفة لأجل والديها .
وهذه قصة واقعية ولربما صادف البعض منكم مثل هذه القصة كما يرويها صاحبها ، حيث حكى لي رجلٌ كبيرٌ في السن بأنه رُزق بتسع من الأبناء وإبنةً واحدة فقط وهي " بِِكره " أي أكبر ذريته فكبر الأبناء وانشغلوا بزوجاتهم وأولادهم وأعمالهم فلا يأتون إلينا إلا سويعات من النهار وفي بعض الأسابيع أو حضور مناسبات عائلية ولا يسألون ولا يتفقدون عن الحال والأحوال رغم الحاجة التي أعيشها أنا ووالدتهم ورغم أن منزلي أصبح قديماً يحتاج إلى ترميم ، وأمهم تُعاني الأمراض ، ولا يقوم على خِدمتنا سوى إبنتي الوحيدة فهي من تسهر علينا وتمرضنا وتغسل ملابسنا وتطعمنا بل رفضت كل المتقدمين لخطبتها رغم تقدمها في السن ولكن بسبب رغبتنا في زواجها وإلحاحي عليها وافقت وهي مكرهة وبشروطها ، أن يكون منزلها بجوارنا وأن لها مطلق الحرية بالذهاب والعودة إلينا أو البيات معنا أو مرافقة والدتها في المستشفى إن دعت الحاجة لذلك فوافق أحدهم على تلك الشروط .
فكانت نعم الزوجة الصالحة لزوجها والابنة الوفية والبارة بنا فعاشت معنا وكأننا لم نرزق بغيرها ورزقها الله رجلاً شهماً كريماً وفياً لنا ولها ورزقهما الله الذرية الصالحة من الأبناء والبنات فعشنا معهم حياةً جميلة سعيدةً لا يُشقيها إلا بعض مشاكسات أبنائي الكبار هداهم الله ، فكانت إبنتي الوحيدة وزوجها وأولادهم هم من يقومون على خدمتنا "فهي عن ألف رجل" وتمنيت من أعماق قلبي لو جعل الله كل ذريتي بنات ولكنها أقدار الله ، واسترسل قائلاً أما أبنائي فلا يأتون إليً إلا إذا ضاقت عليهم الحيلة فقد أشغلتهم دنياهم عنا ولا يأتون إلا تكلفاً .
أخي الزوج من الضروري أن تعرف أنك وزوجتك لا تملكان الإختيار فيما تريدون إنجابه هذا أمرٌ قد اختاره الله لكما أما سمعت قول الله تعالى :
يهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ .
إنني أتعجب من هذا الزوج المتعجرف والذي قد يكون إبتلاءً لهذه الزوجة المسكينة الراضية بقدر الله المؤمنة المحتسبة الصابرة على هذا الذكر ، والذي يفتقد لمعاني الرجولة والإيمان بالقضاء خيره وشره ، وأنه مازال يطلب المستحيل وهو يعلم بأن هذه الزوجة لا تملك أن تجعل من ذريتها ذكوراً ومع ذلك يهددها بالضرب والطلاق أو بالزوجة الثانية أو أن يتركها كالمعلقة عند أهلها ماهذا الغباء والتخلف لدى هؤلاء .
" يا هيه إنني أهمس في أُذنيك فأعرني سمعك "
اليوم ليس الأمس هناك تغيرات ثقافية وتحولات إجتماعية فلم تعد المرأة أو الطفل حقل تجارب ومراكز أبحاث " لذكورة "يعبثون فيهما كيفما يشاؤون ، فالجميع لهم الحق في العيش بأمن وطمأنينة واستقرار أسري ولهم حقوق معتبرة شرعاً يستطيع الجميع الحصول عليها بدون مواربة أو جحود ، بكفالة النظام القائم في هذه الدولة حفظها الله ، فتستطيع المرأة أن تستوفي حقوقها الشرعية والنظامية بمجرد ضغطة زر ، فعصر الذكورة قد ولى إلى غير رجعة فكما لك حقوق فلها هي أيضاً حقوق .
الحياة الأسرية تستوجب التفاهم والتغاضي وقبول الآخر بكل ما فيه ، والرضى بما قسم الله لك من " الرزق في الذرية " فلا تجعل من جنتك في الدنيا جحيم لا يُطاق ، ولا تعش على هامش الحياة كما هي "البهائم تعيش لتموت فقط " .
الحياة أجمل من ذلك بكثير فلم يخلقك الله لتشقى ، إنما هي أفعالك ردت إليك فإن كانت حسنة عشت طيباً حيثما حللت وإن كانت سيئة فلا يحيق المكر السيئ إلا بأهله .