[سلوكٌ سيئٌ في الدلال]
منذ بضعة أعوامٍ تقريباً ونحن نرى بين الفينة والأخرى- ببالغ الأسف والأسى- رؤوساً تخرج من نوافذ المركبات وسقُفِها أثناء سيرها، هذه الرؤوس رؤوس أطفالٍ أبرياء، فُتنوا بجمال بلدتهم الساحر، وطبيعته الخلَّابة، وساعد على ذلك السلوك الأرعن؛ حماقة قائد المركبة الذي مكَّن لهم هذا، وهو مع هذا لا يستطيع السيطرة عليهم؛ لأنه مندمجٌ بالقيادة، وملاحظة الطريق، أضف إلى ذلك حديثه بالهاتف النقَّال، أو مع زوجته- إن كانت معه-، والأطفال غالباً ما يكونون في المقاعد الخلفية، ومتابعتهم وملاحظتهم تقصر عمَّن هو أمام المتابع والملاحظ، مع حركة الأطفال السريعة، والسؤال الذي يطرح نفسه؛ ماذا لو وقفت المركبة بغتةً رغم أنفها؟!- ولا أنف لها-، أو انحرفت كذلك؟! أو اصطدمت بمركبةٍ أمامها؟! أو صُدِمت من خلفها؟! كل ذلك متوقعٌ وجائزٌ، وإذا سلمتَ أثناء وقوفك المباغت ممَّن أمامك، فقد لا تسلم ممَّن خلفك، وأيضاً ماذا لو غفل الأب ورفع زجاج مركبته الذي يحمل رأس ابنه؟! كلُّ هذا وارد، وكلُّه خطرٌ قد يؤدي بعضه بحياة هذا الطفل الذي فقد العناية والرعاية الصحيحة، والتوجيه السليم؛ لأن هذين الأبوين حينما فرحا بهذا السلوك الأرعن، وسُرَّا به، أظنهما أرادا أن يوصلا لنا رسالةً عنوانها: "انظروا لنا كيف نُدلِّلُ أولادنا". وكأنَّنا نحن- الذين لا نفعل فعلهم- أعرابٌ أجلافٌ قد نُزعت الرحمة من قلوبنا!
معاشر الآباء والأمهات.. إذا أردنا أن ندلل أولادنا؛ ندللهم دون المخاطرة بهم، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تُحصر، وما الذي يضيرنا؟ وما الذي نخسره؟ حينما يبدي لنا أطفالنا إعجابهم بهذا المكان أو ذاك- والمكان والزمان لا يمتنعان معنا- أن ننزلهم ساعةً أو سويعةً كي يلعبوا ويفرحوا ويمرحوا حتى يأخذوا نهمتهم، وتقرّ أعينهم.
هذا شيءٌ يسيرٌ غير عسيرٍ من الدلال الحقيقي الطبيعي الذي لا تصنع فيه ولا تكلف ولا استعراض ولا مخاطرة.
وكلُّنا عشمٌ وأملٌ أن يُوخذ على أيدي أولئك السفهاء، وأن يُوقف المعنيون بالأمرِ هذا الأمرَ، وكلُّنا على ثغر. وفي الأثر عن عثمان- رضي الله عنه-: (إن اللَّهَ يَزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن).
وكم نتمنَّى أن يُقضى على هذا الخلل البيِّن- الآن- قبل أن يُحَلَّ بعد حادثٍ أليمٍ مُروِّعٍ- يسمعه ويبصره القاصي والدَّاني- قد مات فيه من كان حيّاً، وقُتِلَ شَرَّ قِتْلَة، أو سلمَ من الموت؛ ولكنَّه أُصيبَ في جسده إصابةً بالغةً مُزمنةً لا يقدر عليها الطَّبيب الحاذق.
{فَٱللَّهُ خَیۡرٌ حَـٰفِظاۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّ ٰحِمِینَ}
[يوسف: ٦٤]، {إِنۡ أُرِیدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَـٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ وَمَا تَوۡفِیقِیۤ إِلَّا بِٱللَّهِۚ عَلَیۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَیۡهِ أُنِیبُ}[هود: ٨٨].
خلف بن عبدالمجيد أبو مُراد
- ضِبا- السبت غرة شهر الله المحرم ١٤٤١ هجرية.