الزهراني لـ “أضواء الوطن : صيام على ضوء “القاز”.. ومسيرة بين الطوارئ و الإعلام


الطائف – محمد آل ماضي
بين أروقة الطفولة البسيطة وأجهزة اللاسلكي في غرفة الطوارئ، وبين صوت المدفع الرمضاني فوق جبل الشعراء وصوت الخبر في المنصات الإعلامية، تمتد ذاكرة رجل عصامي نشأ في قرية المندق بمنطقة الباحة، وتربى على الفطرة و التعب، ليصنع من البدايات المتواضعة مسارًا مشرقًا في ميدان الصحة والإعلام.
سعيد بن عبدالله الزهراني، أحد أبرز القيادات الصحية والإعلامية في محافظة الطائف، يفتح قلبه في لقاء رمضاني خاص مع “أضواء الوطن”. حديث عن البساطة، والرزق الحلال، وصيام “القاز”، و حكاية الصعود من بيت من الحجارة والأخشاب، إلى منصات الإعلام و مواقع القرار.
• كيف تصف ملامح طفولتك الأولى؟
كانت طفولة قاسية لكنها ملهمة. والدي ووالدتي – رحمهما الله – لم يدرسا، ومع ذلك نجحا في تربية عشرة أبناء وبنات. كنا نعيش في بيت شعبي من الحجارة والخشب، ننام جميعًا في مكان واحد، ونضيء الليالي بالفوانيس. من وقت مبكر، كنا نستشعر المسؤولية ونشارك في العمل، سواء داخل المنزل أو في رعي الأغنام.
• ما الذكريات التي لا تزال عالقة في وجدانك؟
أذكر جيدًا كيف كنا ننتظر المدفع من جبل “الشعراء” لإعلان الإفطار، وكيف كانت والدتي تجلب الماء من البئر باستخدام “القربة”، وتحتطب وتزرع وتطبخ. البيت كان بسيطًا جدًا، وغرفتان فقط. الإضاءة كانت لمبة واحدة من مولد كهربائي، تعمل لبضع ساعات. بعد العشاء ننام مباشرة.
• من كان قدوتك؟
والدي ووالدتي. تعلمت منهما الصبر، العطاء، الكرامة، الاعتماد على النفس، والرضا بالقليل. كانا قدوة في كل شيء.
• هل مارست هوايات في صغرك؟
الهوايات لم تكن متاحة، لكن بعد دخولي المدرسة أحببت الرسم. كان معلم الفنية، الأستاذ محمد الذيب، له أثر كبير في تشجيعي.
• كيف كانت علاقتك بأهل القرية؟
كنا جميعًا كعائلة واحدة. الاحترام يسود العلاقات، والكبير يُوقَّر كأنه والدك. هذه القيم لا تُنسى.
• هل تتذكر أول يوم في المدرسة؟
نعم. المدرسة كانت في بيت شعبي وسط السوق. الدخول لعالم جديد كان مربكًا، لكن الدعم من المدير والمعلمين سهل المهمة.
• ما المرحلة الدراسية التي تعتبرها الأهم؟
الابتدائية، خصوصًا التخرج من الصف السادس. شهادة الكفاءة المتوسطة وقتها كانت تمثل إنجازًا ضخمًا. تُذاع النتائج في الإذاعة، وتُوقّع من وكيل وزارة المعارف.
• ما التحديات التي واجهتك؟
الدراسة لم تكن سهلة، لكن الدولة دعمت التعليم بشكل كبير. كانت الوجبات الجافة توزّع يوميًا، وهذا ساعد كثيرًا.
• أين توجهت بعد التعليم العام؟
حصلت على وظيفة مبكرة في المحكمة الشرعية، ثم التحقت بمعهد الخدمات الطبية للقوات المسلحة، وتخرجت بدبلوم “إخصائي صحي”، ثم التحقت بوزارة الصحة على نفس التخصص، وتدرجت في مناصب متعددة.
• ما أبرز المناصب التي تقلدتها؟
• المتحدث الرسمي لصحة الطائف
• مدير العلاقات العامة والإعلام
• مدير إدارة الطوارئ والكوارث والنقل الإسعافي
• المشرف على مركز 937 والتنسيق الطبي
• مدير فرع صحيفة المدينة بالطائف
• أيها الأقرب إلى ميولك؟
الطوارئ شغف إنساني، لأنك تخدم المحتاجين في لحظات حرجة. أما الإعلام فهو إدمان جميل، يخدم الوطن، وينقل منجزاته، ويكشف مكامن القصور.
• من الداعم الأول في حياتك المهنية؟
زوجتي نورة بنت صالح الزهراني – حفظها الله – كانت ولا تزال داعمة لي في كل مراحل حياتي، تشجعني على الإخلاص والنية الطيبة.
• متى صمت أول رمضان كامل؟
في سن مبكرة، كانت الأسرة تحثنا على الصيام، رغم صعوبته، خاصة مع الدراسة والعمل.
• ما أبرز ذكرياتك الرمضانية؟
المدفع الرمضاني، تبادل الأطباق بين الجيران، الإفطار البسيط: تمر، خبز بلدي، مرق. والسحور كان “عيش” مع لبن وسمن. أجواء روحانية لا تُنسى.
• هل كنت تصلي التراويح؟
لم نكن نذهب كأطفال بسبب الظلام، وكانت المساجد مظلمة أيضًا. لم تكن هناك أنشطة رمضانية ليلية كاليوم.
• كيف ترى الفرق بين رمضان الماضي والحاضر؟
الفرق كبير. اليوم نعيش في رفاهية وتقدم، لكن رمضان زمان كان أهدأ، أكثر روحانية، وأقرب إلى النفس.
• هل واجهت مواقف إدارية صعبة؟
كثيرًا، خصوصًا في إدارة الطوارئ. لكن كنت أتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب، وبدعم الفريق نتجاوز الصعوبات.
• بعد التقاعد، هل شعرت بالفراغ؟
أبدًا. ما زلت أعمل في الإعلام، ولي أعمالي الخاصة. التقاعد مرحلة جديدة، وليس نهاية. لا أؤمن بثقافة الإحباط التي تلاحق المتقاعدين.
في ختام اللقاء:
تنبعث منه رائحة القرى، ونفحات الصدق، نستحضر مع الزهراني حكاية وطن، تبدأ من بيت شعبي تُضاء جدرانه بالفانوس، إلى مواقع القرار في الطوارئ والإعلام، وذاكرة لا تنسى رمضان البساطة، حين كانت “القربة” وسيلة الحياة، و”القاز” نور الإفطار.
لا يسعنا في “أضواء الوطن” إلا أن نتقدم بخالص الشكر والتقدير لسعادة الأستاذ سعيد بن عبدالله الزهراني على حديثه الصادق، وذكرياته الملهمة، متمنين له دوام الصحة والتوفيق في مسيرته المهنية والإنسانية.