
الشعر الشعبي ليس مجرد و سيلة للتعبير ، بل هو ذاكرة حية تحفظ التاريخ و توثّق المواقف بأسلوب فني يتجاوز حدود الكلمات. فهو لغة القيم والمبادئ ، ووسيلة تواصل بين الأجيال، تتجلى فيها الحكمة و تترسّخ العادات و التقاليد.
شعر المحاورة أحد أشكال التنافس الإبداعي، حيث يجتمع فيه الذكاء الحاد، و الرد السريع، و القدرة على الفتل و النقض بطريقة تجعل منه فنًا قائمًا بذاته. في هذا السياق ، يبرز الشعراء المتميزون الذين يتركون بصمتهم في ذاكرة الجماهير.
ضيفنا اليوم هو **فلاح بن ضاوي الحنان الثوري السبيعي**، شاعر اجتمع لديه الإبداع في المحاورة، والشعر الفكاهي، والتوثيق الشعري. نشأ في الخرمة، وعاش فترة طويلة في الكويت، حيث احتك بكبار الشعراء قبل أن يعود إلى مسقط رأسه.
—
س : كيف كانت بداياتك مع الشعر ؟
*ج: الشعر بالنسبة لي ليس مجرد هواية، بل هو تراث متجذّر في داخلي منذ الصغر. تأثرت بكبار الشعراء مثل حمود زامل، و صياف، و مفرح الظمني ، لكنني كنت حريصًا على بناء أسلوبي الخاص الذي يجمع بين القوة في المعنى و الذكاء في الطرح.
س : كيف أثّرت تجربة العيش في الكويت على شعرك؟
ج : الكويت كانت ساحة خصبة للمحاورة، حيث أتيح لي الالتقاء بشعراء كبار، ما ساعدني على صقل موهبتي و توسيع أفق شعري. كان للاحتكاك ببيئات شعرية متنوعة دور كبير في تطوير أسلوبي و جعلي أتعلم كيف أتعامل مع مختلف المدارس الشعرية.
س : من هم أبرز الشعراء الذين خضت معهم محاورات قوية ؟
*ج : شاركت في محاورات مع
حمود زامل، وابن شلاح، و مفرح الظمني، و الرياحي، و صياف، والدغيلبي، وابن شايق . كانت اللقاءات حافلة بالتحدي، و كل شاعر من هؤلاء له أسلوبه الخاص الذي يجبرك على أن تكون حاضر الذهن سريع الرد.
س: ما الذي يميز شعر المحاورة عن غيره من أنواع الشعر الشعبي؟
ج: المحاورة ليست مجرد ارتجال، بل هي **مبارزة فكرية* تتطلب سرعة بديهة، قوة في الطرح، و فهمًا عميقًا للفتل و النقض. الشاعر الجيد في المحاورة لا يعتمد على الحفظ، بل على ذكائه الحاد وقدرته على إدارة الجولات بحكمة.
س: كيف ترى الشعر الشعبي اليوم مقارنة بالماضي؟
ج: الشعر الشعبي لا يزال حاضرًا بقوة، لكنه تأثر بالعوامل الحديثة مثل و سائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبح بعض الشعراء يركزون على الانتشار السريع بدلًا من جودة الطرح. المحاورة اليوم تحتاج إلى العودة إلى أصولها، وإلى شعراء يهتمون بالمضمون قبل الشهرة.
س: لديك تجربة قوية في الشعر الفكاهي، كيف ترى أهميته؟
ج: الشعر الفكاهي صعب لأنه يحتاج إلى ذكاء لغوي، و هو و سيلة نقدية توصل الرسائل الاجتماعية بطريقة خفيفة الظل لكنها عميقة التأثير. كثير من القضايا الاجتماعية التي يصعب طرحها بشكل مباشر يمكن تناولها في قالب فكاهي يترك أثرًا في المستمع.
س: كيف ترى مستقبل الشعر الشعبي في ظل التغيرات الثقافية الحديثة؟**
*ج: الشعر الشعبي سيبقى جزءًا من هويتنا، لكنه بحاجة إلى تجديد مدروس يحافظ على أصالته دون أن يفقد جوهره. الشعر ليس مجرد كلمات، بل هو رسالة، وإذا أراد أن يستمر، فعليه أن يواكب العصر دون أن يفرّط في مبادئه.
س: هل ترى أن الشعر التوثيقي مهم كما هو الحال مع المحاورة ؟
ج: الشعر التوثيقي مهم جدًا، فهو يسجّل الأحداث والوقائع التي قد تُنسى بمرور الزمن. كثير من الوقائع التاريخية نُقلت إلينا عن طريق الشعر الشعبي، ولهذا فإن دور الشاعر لا يقتصر على الترفيه أو المحاورة، بل يتعداه إلى التأريخ والتوثيق.
س: ما هي أصعب محاورة خضتها في حياتك؟
ج: هناك محاورات كثيرة صعبة، لكن واحدة من أقواها كانت مع الشاعر صياف الحربي ، حيث كان التحدي فيها عالي المستوى. كان صياف سريع البديهة، ولا يترك لك فرصة للتراجع، لذلك كان عليك أن تكون في أقصى درجات التركيز.
س: ما رأيك في التحكيم في مسابقات المحاورة؟
ج: التحكيم في المحاورة صعب، لأن المحاورة تعتمد على الفهم العميق للمعاني و ليس فقط على الوزن والقافية . لذا، أرى أن المحكمين يجب أن يكونوا من ذوي الخبرة العميقة في الشعر الشعبي، و ليس مجرد مستمعين عاديين.
—
في نهاية اللقاء
لا يسعنا إلا أن نشكر **الشاعر فلاح بن ضاوي الحنان الثوري السبيعي** على هذا اللقاء الثري، الذي قدم لنا رؤية متكاملة حول الشعر الشعبي، وتجاربه الممتدة بين الكويت والخرمة. يبقى الشعر الشعبي تراثًا خالدًا بفضل المبدعين الذين يحملون رسالته عبر الزمن.