
في ليالي رمضان المباركة، تعود بنا الذكريات إلى الأيام الخوالي، حيث كانت الحياة أكثر بساطة، والعلاقات الاجتماعية أكثر دفئًا. نتذكر كيف كانت المجالس عامرة بالسوالف العذبة، وكيف كان للكلمة وقعها الخاص في النفوس، خصوصًا عندما تأتي على هيئة شعرٍ نبطيٍّ أصيل، يُعبِّر عن أصالة الأرض والناس.
ضيفنا في هذا اللقاء أحد الأسماء الشعرية البارزة، شاعرٌ ترك بصمته في ساحة الشعر النبطيِّ والمحاورة، وتميَّز بحضوره القويِّ في المجالس والمنابر الإعلامية. نشأ في بلدته رنية، حيث استلهم من بيئته قيمَ الشعر ومبادئه، ثم انتقل إلى الكويت، حيث برز في برنامج “بادية الكويت” عبر إذاعة الكويت، مقدِّمًا من خلاله صورةً مشرقةً عن الشعر الشعبي الأصيل والمحاورات والمقدرة على الفتل والنقض في شعر المحاورة، واستطاع أن يكسب قلوب الجماهير بقوة كلمته وجمال طرحه.
بدايات وذكريات رمضانية
س: بدايةً، نرحِّب بك معنا في هذا اللقاء الرمضانيِّ، ونسعد باستضافة شخصيةٍ شعريةٍ مميَّزة مثلك. كيف تصف لنا إحساسك بهذا اللقاء؟ وما الذي يعنيه لك استرجاع ذكريات الطفولة ورمضان في الماضي؟
ج: الله يحييكم، وأشكركم على هذا الترحيب الطيِّب. الحقيقة أن هذه اللقاءات الرمضانية تعيد إلينا ذكرياتٍ جميلةً لا تُنسى، خاصةً عندما نتحدَّث عن البدايات والماضي الجميل. رمضان في السابق كان له طعمٌ مختلف، حيث كان الناس أقرب إلى بعضهم، وكانت للبساطة رونقها، وللشعر مكانته في المجالس.
س: نشأتك كانت في محافظة رنية، كيف كان تأثير بيئتك الأولى على شخصيَّتك ومسيرتك الشعرية؟
ج: رنية كانت وما زالت أرضًا غنيةً بالشعر والتراث، وهي بيئة محفِّزة لمن يملك الموهبة. في طفولتي، كنت أستمع إلى الشعر في مجالس الكبار، وأحفظ ما يعجبني، وكنت أتأمل في طريقة إلقائهم ومعاني أبياتهم. كانت البيئة هناك تمزج بين حياة البادية وقيم الأصالة، وهذا انعكس في تكويني الشعريِّ لاحقًا.
رحلة إلى الكويت وتجربة إعلامية متميزة
س: حدِّثنا عن انتقالك إلى الكويت وتجربتك مع إذاعة الكويت في برنامج “بادية الكويت”.
ج: بعد أن نشأت في رنية، انتقلت إلى الكويت، حيث سنحت لي الفرصة للظهور في إذاعة الكويت من خلال برنامج “بادية الكويت”، الذي كان منبرًا للمواهب الشعرية، ومكانًا لإبراز الشعر الشعبي في أبهى صوره. كنت سعيدًا بهذه التجربة، لأنَّها قدَّمتني لجمهورٍ أوسع، وسمحت لي بالمشاركة في ساحة الشعر والمحاورة على نطاقٍ أكبر، خاصةً أن الكويت كانت حاضنةً للإبداع الشعري.
رمضان بين الماضي والحاضر
س: كيف كانت أجواء رمضان في الكويت مقارنةً بما كنت تعيشه في رنية؟
ج: رمضان في الكويت كان يحمل طابعًا خاصًّا، لكنه كان يشبه رمضان في رنية من حيث الألفة والتلاحم الاجتماعيِّ. في الماضي، كان الناس يتجمَّعون عند الإفطار، وكانت المجالس ممتلئةً بالسوالف والشعر. في الكويت، كان هناك أيضًا اهتمامٌ بالمجالس الأدبية والشعرية، وكنت محظوظًا بأنني كنت جزءًا منها، حيث كنا نلتقي بعد صلاة التراويح، ونتبادل القصائد، ونشارك في المحاورات الشعرية التي تمتدُّ حتى وقت السحور.
س: ما الفرق الذي تلاحظه بين رمضان الماضي ورمضان اليوم؟
ج: لا شكَّ أنَّ الفرق كبيرٌ، ففي الماضي كنا نعتمد على الأجواء الأسرية والتواصل المباشر، وكانت العادات الرمضانية أكثر بساطة. اليوم، رغم التطور ووسائل الراحة المتاحة، إلا أنَّ الجانب الاجتماعيَّ تراجع قليلًا بسبب التكنولوجيا ووسائل التواصل، التي جعلت الناس يعيشون في عزلةٍ نسبية، حتى وهم في نفس المكان. لكن، رغم ذلك، يظل رمضان شهر الخير والتقارب، وأتمنى أن نعيد بعض العادات الجميلة التي كانت تميِّزه قديمًا.
الشعر والمجالس: بين الأمس واليوم
س: ماذا تقول للشباب اليوم عن أهمية الشعر في المجالس؟ وهل لا يزال يحتفظ بمكانته كما كان في السابق؟
ج: الشعر كان وما زال جزءًا من هوية العرب، لكنه تأثَّر قليلًا بتغيُّر أساليب الحياة ووسائل الإعلام الحديثة. مع ذلك، أرى أن هناك جيلًا شابًّا متحمِّسًا لإحياء هذا الفنِّ والمحافظة عليه. أنصح الشباب بأن لا ينسوا قيمة الشعر في التعبير عن المشاعر والمواقف، فهو ليس مجرَّد كلماتٍ موزونة، بل هو تاريخٌ وأصالةٌ ومرآةٌ للمجتمع.
ختام اللقاء
س: كلمة أخيرة تودُّ أن تختم بها اللقاء؟
ج: أشكركم على هذه الاستضافة الكريمة، وسعيدٌ جدًا بالحديث عن ذكريات الطفولة والشعر ورمضان. أسأل الله أن يديم علينا وعليكم نعمة هذا الشهر الفضيل، وأن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات.
⸻
في الختام، لا يسعنا إلا أن نتقدَّم بالشكر الجزيل لضيفنا الكريم، الشاعر حمود بن زامل المجامعة السبيعي، على هذا الحديث الممتع والمليء بالذكريات الجميلة. نسأل الله أن يديم عليه الصحة والعافية، وأن يعيد علينا وعليه رمضان بالخير واليُمن والبركات.