
في ليالي رمضان الهادئة، حيث يجتمع الأحبة حول موائد الإفطار، تحضر الذكريات وتُستعاد المواقف التي شكلت ملامح الماضي. بين عبق التراث الأصيل ومقتضيات العصر الحديث، يظل رمضان مناسبة لاسترجاع الأيام الجميلة و مقارنة التغيرات بين الأمس واليوم.
ضيفنا في هذا الحوار هو أحد الشخصيات البارزة التي شغلت مناصب قيادية و أسهمت في العمل الاجتماعي و التنموي. تقلد عدة مناصب، منها محافظ محافظة رنية سابقًا، وكان عضوًا في مجلس مشايخ محافظة خليص، و عضوًا مؤسسًا للجنة التنمية الاجتماعية بمحافظة خليص سابقًا. واليوم، يواصل عمله في مجال المحاماة والاستشارات القانونية، معتمدًا على خبرة طويلة في الإدارة والقانون.
ضيفنا هو الشيخ عويض بن سعيد المعبدي الحربي، شيخ قبيلة المحاشير من معبد من حرب.
نص الحوار :
1. كيف تصف أجواء رمضان في الماضي مقارنة بالحاضر؟
• كان رمضان في الماضي يحمل نكهة خاصة، مملوءًا بالمحبة والبساطة. كانت الأجواء الاجتماعية أكثر قربًا، حيث يتجمع الأهالي قبل الإفطار، ويتبادلون الأطعمة في عادة جميلة تُعبر عن روح التكافل والتآخي. لم تكن الحياة معقدة كما اليوم، فالجميع يعرف بعضهم البعض، وتجد الأطفال يلعبون في الطرقات دون قلق، ويحرصون على إيصال وجبات الإفطار للجيران، خاصة كبار السن.
أما اليوم، فمع التطور الكبير والتغيرات التي طرأت على نمط الحياة، أصبح التواصل الاجتماعي أقل مما كان عليه سابقًا، إلا أن روح الشهر الكريم ما زالت تجمع القلوب.
2. كيف كان يتم استقبال رمضان في منطقتكم قديمًا؟
• استقبال رمضان كان يتم بفرح غامر، حيث تبدأ الاستعدادات قبل دخول الشهر بفترة. كان الناس يحرصون على تجهيز المؤن وتخزين بعض الأطعمة التي تُستخدم في وجبات الإفطار والسحور. كما كان هناك اهتمام خاص بمساجد الحي، حيث تُنظف وتُجهز لاستقبال المصلين في صلاة التراويح.
ومن التقاليد الجميلة التي كانت موجودة آنذاك، عادة “القرقيعان”، التي يحتفل بها الأطفال في منتصف رمضان، حيث يجوبون البيوت ويجمعون الحلوى والمكسرات في أجواء من الفرح.
3. حدثنا عن بعض المواقف الرمضانية التي لا تزال عالقة في ذاكرتك؟
• هناك العديد من المواقف التي لا تُنسى، ولعل أبرزها أيام الطفولة، حين كنا نتحمس للصيام، وكان الكبار يشجعوننا بطريقة لطيفة، فنصوم نصف يوم أحيانًا ونكمل في اليوم التالي. كما أذكر المواقف الجماعية، مثل إعداد وجبات الإفطار الجماعي في المساجد، حيث يجتمع الجميع على سفرة واحدة، دون تمييز بين غني وفقير، وكان كل شخص يُحضر ما يستطيع مشاركته.
ومن المواقف التي أذكرها أيضًا، حرصي على الذهاب مع والدي إلى السوق الشعبي قبل رمضان، لشراء التمر وبعض المستلزمات الرمضانية، وكان لهذا الطقس نكهة خاصة، خاصةً مع حركة السوق ونشاطه في هذه الفترة.
4. بحكم أنك توليت منصب محافظ رنية سابقًا، ما أبرز التحديات التي واجهتها خلال عملك في المحافظة؟
• كانت هناك تحديات كثيرة، أبرزها العمل على تطوير الخدمات والبنية التحتية، وتحقيق تطلعات المواطنين. المحافظة كانت تحتاج إلى مشاريع تنموية تدعم البنية التحتية وتخدم الأهالي، وواجهنا بعض العقبات مثل نقص بعض الخدمات الأساسية واحتياجات القرى التابعة.
كان التنسيق مع الجهات العليا والوزارات المختلفة مهمًا لحل العديد من المشكلات، وتمكنا من تحقيق إنجازات ملموسة بفضل تعاون الجميع، سواء من الجهات الحكومية أو من الأهالي الذين كانوا متعاونين جدًا في دعم المشاريع والمبادرات.
5. كيف ترى تطور محافظة رنية اليوم مقارنةً بالماضي؟
• رنية اليوم مختلفة كثيرًا عما كانت عليه قبل سنوات، فقد شهدت تطورًا ملحوظًا في مجالات عدة، مثل الطرق، والخدمات الصحية، والتعليم. هناك اهتمام واضح بالمشاريع التنموية، والتقنية الحديثة ساعدت في تحسين جودة الحياة، سواء في الخدمات الإلكترونية أو وسائل الاتصال.
لكن لا تزال هناك بعض التحديات التي يجب العمل عليها، مثل تعزيز الاستثمار في بعض القطاعات المهمة، ودعم المشاريع الصغيرة، وتحفيز الشباب على ريادة الأعمال بما يتناسب مع طبيعة المنطقة.
6. كنت عضوًا مؤسسًا للجنة التنمية الاجتماعية بمحافظة خليص، كيف كانت تجربتك في هذا المجال؟
• تجربة العمل في التنمية الاجتماعية كانت من التجارب التي أفتخر بها، فقد كنا نحرص على تقديم مشاريع تخدم المجتمع، سواء في دعم الأسر المحتاجة أو في تنظيم الفعاليات التي تعزز القيم الاجتماعية.
كان هناك تركيز كبير على إشراك الشباب في العمل التطوعي، لأنهم ركيزة المستقبل، وحرصنا على تقديم ورش عمل وبرامج تدريبية تسهم في تأهيلهم لسوق العمل. العمل الاجتماعي بحاجة إلى تضافر الجهود، وأرى أنه مسؤولية الجميع، وليس فقط على الجهات الحكومية.
7. كيف كان انتقالك من العمل الإداري إلى المحاماة والاستشارات القانونية؟
• المحاماة مجال يتطلب دقة وخبرة، وهي امتداد طبيعي لتجربتي السابقة في الإدارة، حيث كنت أتعامل مع قضايا قانونية وتنظيمية باستمرار.
اليوم أعمل في تقديم الاستشارات القانونية للمؤسسات والأفراد، وأرى أن المحاماة مسؤولية كبيرة، كونها تتعلق بحفظ الحقوق وتحقيق العدالة. ما تعلمته خلال مسيرتي في الإدارة ساعدني كثيرًا في هذا المجال، خاصة في فهم الأنظمة والقوانين والتعامل مع القضايا المختلفة.
8. ما رأيك في التحولات التي شهدها المجال القانوني اليوم، وهل ترى أنها تسهم في تحقيق العدالة بشكل أفضل؟
• لا شك أن التحولات القانونية التي شهدتها المملكة خلال السنوات الأخيرة كانت إيجابية جدًا، سواء في تطوير الأنظمة أو في تسريع الإجراءات القضائية. اليوم، أصبح هناك اعتماد أكبر على التقنية في تسهيل القضايا القانونية، مما يُسرّع من تحقيق العدالة.
إضافة إلى ذلك، هناك قوانين جديدة تدعم الحقوق المدنية، وتمكين المرأة في المجال القانوني، وهذه كلها خطوات متقدمة تعزز دور العدالة في المجتمع.
9. في الختام، ما رسالتك لأبناء الجيل الجديد؟
• أوصي الجميع بالاعتدال في أمور حياتهم، فالتوازن هو سر النجاح. لا إفراط ولا تفريط، سواء في العمل أو في الحياة الشخصية. من المهم أن يحرصوا على تطوير أنفسهم، والاستفادة من الفرص المتاحة اليوم، سواء في التعليم أو في ريادة الأعمال. عليهم أيضًا ألا يغفلوا عن دورهم في خدمة المجتمع، فالنجاح لا يقتصر على الفرد وحده، بل يشمل العطاء للمحيطين به.
10. كلمة أخيرة؟
• أشكر لكم هذه الفرصة الطيبة، وأدعو الله أن يديم على بلادنا الأمن والاستقرار، وأن يبارك للجميع في هذا الشهر الفضيل، و يجعله شهر خير وبركة علينا جميعًا.