
يُعد شهر رمضان المبارك محطة روحية واجتماعية عظيمة في حياة المسلمين، حيث تتجلى فيه مظاهر العبادة، والتراحم، والتواصل الاجتماعي. ومنذ العصور الإسلامية الأولى، ظل رمضان يحمل طابعًا خاصًا، يختلف من عصر إلى آخر وفق الظروف الاقتصادية والثقافية لكل مجتمع. ومع تطور الحياة وتغير العادات، بقيت بعض التقاليد الرمضانية ثابتة، بينما تغيرت أخرى وفق المستجدات الحضارية.
في هذا الحوار، نستضيف الأستاذ الدكتور غيثان بن علي ابن جريس، الذي ينقل لنا مشاهداته وتأملاته حول أجواء رمضان، خاصة في الأوقات التي تسبق الإفطار، كما عايشها في أماكن متعددة داخل المملكة العربية السعودية وخارجها، من القرى والبوادي إلى المدن الكبرى، ومن داخل المملكة إلى بلدان العالم المختلفة.
⸻
س/ كيف كانت أجواء ما قبل الإفطار في القرى والبوادي خلال العقود الماضية؟
ج/ عاصرت بساطة الحياة، وتواضع أحوال الناس الاقتصادية، مما جعلهم يعيشون بطريقة طبيعية، حيث كان العمل في النهار والنوم في الليل هو السائد. لم تكن هناك شواغل كثيرة تلهي الناس، فكانوا يتهيؤون للإفطار بروحانية وهدوء، وغالبًا ما يكون الإفطار على التمر والماء أو اللبن، ثم يلي ذلك طعام بسيط.
في القرى والبوادي، كان الناس يقضون وقت ما قبل الإفطار في الاستعداد للصلاة أو تبادل الحديث مع العائلة، ولم يكن هناك إسراف أو مبالغة في إعداد الطعام كما هو الحال اليوم. كانت البساطة تغلب على كل شيء، وكانت روح الأخوة والمحبة سائدة في المجتمع، فالكل يشارك في إعداد الإفطار ويتعاون في توزيع الطعام بين الجيران.
⸻
س/ هل كان هناك طقوس خاصة تسبق الإفطار في المجتمعات الريفية؟
ج/ نعم، كانت هناك عادات متوارثة، حيث كان البعض يجتمع في المساجد قبل الإفطار لقراءة القرآن والذكر، فيما كان الأطفال يخرجون للعب في الأزقة بانتظار صوت الأذان. في بعض المناطق، كان إشعال النار في أماكن مرتفعة أو إطلاق إشارات معينة يُستخدم كوسيلة لإعلان وقت الإفطار، خصوصًا في المناطق التي لم يكن فيها أذان يُسمع بوضوح.
كان التكافل الاجتماعي ظاهرًا بشكل كبير، حيث كان تبادل الأطعمة بين الجيران أمرًا شائعًا، وكان الغني يساعد الفقير دون تكلف. وكانت الأجواء الرمضانية تمتاز بالبساطة والهدوء، بعيدًا عن الملهيات العصرية التي نراها اليوم.
⸻
س/ كيف كانت أجواء ما قبل الإفطار في مكة و المدينة خلال العقود الماضية؟
ج/ مكة المكرمة و المدينة المنورة لهما أجواء روحانية خاصة خلال شهر رمضان، وخاصة وقت ما قبل الإفطار. كان الزوار والحجاج يحرصون على التواجد في المسجد الحرام والمسجد النبوي منذ وقت العصر، حيث تبدأ حركة إعداد الموائد الرمضانية داخل الحرم وخارجه.
في الماضي، كان الناس يأتون بأطعمتهم البسيطة، ويفطرون جماعيًا في ساحة الحرمين في مشهد يعكس روح التآخي الإسلامي. لم يكن هناك زحام شديد كما هو اليوم، لكن روحانية المكان كانت واضحة جدًا، وكان الزائر يشعر بخشوع خاص، حيث يختلط صوت الأذان برائحة التمر والقهوة، والوجوه البشوشة التي تتبادل التحيات والابتسامات قبل الإفطار.
⸻
س/ كيف كانت العادات الرمضانية قبل الإفطار في السفر، سواء داخل المملكة أو خارجها؟
ج/ سافرت إلى مناطق وأمكنة عديدة داخل المملكة، وذهبت أيضًا إلى بلدان عربية وإسلامية وأجنبية، مثل أمريكا الشمالية وبريطانيا، حيث قضيت هناك سنوات عدة، وأدركني رمضان في تلك البلدان مرات عديدة.
في الغرب، كان المسلمون يجتمعون في المراكز الإسلامية والمساجد قبل الإفطار، حيث تُقام موائد جماعية مفتوحة يشارك فيها الجميع. لم تكن هناك أجواء رمضانية مثل التي نجدها في المملكة، لكن روحانية رمضان كانت واضحة داخل الجاليات الإسلامية، حيث تجدهم يتعاونون على تحضير الإفطار وتقديم الدروس الدينية بعد الصلاة.
أما في داخل المملكة، فكان المسافرون يحرصون على التوقف عند أقرب مسجد أو استراحة للإفطار، حيث يتبادل الناس الطعام في لفتة تعكس كرم المجتمع السعودي.
⸻
س/ كيف ترون التغيرات التي طرأت على عادات ما قبل الإفطار بين الماضي والحاضر؟
ج/ جاء هذا القرن (15هـ/20م)، وبدأت أحوال الناس تتطور تنمويًّا وحضاريًّا، وتراجعت مهن الزراعة والرعي والصيد، وزادت الحياة التجارية والصناعية، مما أثَّر على عادات الناس في رمضان.
في الماضي، كانت حياة الناس بسيطة، ولم يكن هناك الكثير من الملهيات، فكانوا يقضون الوقت قبل الإفطار في العبادة والتأمل. أما اليوم، فقد تغيّرت العادات بسبب التحولات الاجتماعية والاقتصادية، وأصبحت الموائد أكثر تنوعًا، وأصبح الكثير من الناس يقضون وقتهم قبل الإفطار في مشاهدة التلفاز أو متابعة وسائل التواصل الاجتماعي، مما أفقد هذه اللحظة جزءًا من روحانيتها.
لكن رغم كل هذه التغيرات، فإن فرحة استقبال رمضان لا تزال قائمة، وروح التكافل الاجتماعي لم تتغير، حيث نجد الكثير من المبادرات الخيرية التي تُقام لإفطار الصائمين، سواء في الداخل أو الخارج.
⸻
س/ ما هي نصيحتكم للأجيال الجديدة حول استغلال وقت ما قبل الإفطار؟
ج/ أنصح الشباب والأجيال الجديدة باستثمار هذا الوقت في ما يعود عليهم بالنفع، سواء بقراءة القرآن، أو الدعاء، أو مساعدة أسرهم في تجهيز الإفطار. رمضان شهر عبادة، وهو فرصة لتعزيز الروحانية وتقوية العلاقات العائلية، فلا ينبغي أن يُضيَّع في أمور غير مفيدة.
كما أدعو الجميع للعودة إلى العادات الرمضانية الأصيلة، والتوازن بين الروحانية والاستمتاع بالأجواء الرمضانية. رمضان ليس مجرد طعام، بل هو موسم للصبر والتأمل والتقرب إلى الله، وهذه القيم يجب أن تبقى حاضرة في حياتنا.
⸻
ختام الحوار
كان هذا اللقاء مع الأستاذ الدكتور غيثان بن علي ابن جريس، الذي أتحفنا بمشاهداته و تأملاته حول رمضان، وخاصة حول الأوقات التي تسبق الإفطار، و التي كانت تحمل طابعًا روحانيًا واجتماعيًا خاصًا. و مع تغير الزمن وتطور العادات، تبقى روحانية رمضان حاضرة في القلوب، لتذكّرنا دائمًا بقيم الصبر، والشكر، و التكافل.
التعليقات 2
2 pings
غير معروف
15/03/2025 في 12:36 ص[3] رابط التعليق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وشكرا لك ياستاذ محمد
وجميع العاملين معك في الصحيفة ، واسأل الله لكم التوفيق
والهدى والسداد ، وان يرزقكم من فضله وبركاته وجوده انه على كل شيء قدير والسلام ، المرسل محبكم غيثان بن جريس ( السبت ١٥ / ٩ / ١٤٤٦)
احمد الشهري
15/03/2025 في 5:58 ص[3] رابط التعليق
اجدت وافذت دكتور غيثان وازيد معك من خصائص رمضان قبل ١٤٠٠هـ انتظار فطرة رمضان عند مسجد القريه كل ابناء القريه يوزع حبات من التمر يدوياً لكل صائم وقبلها بعد العصر ممارسة العاب قليلة الجهد لصبيان القريه فيها التنافس والابداع الشيء الكثير ويكون هذا في مكان وسط القريه يسمى المنداه كل يهرول لاغتنام الوقت واللحاق بعد انهاء اعمال الرعي والزراعة اليوميه وبعد التراويح ليس الا النوم استعداداً لاعمال الغد . والسلام .