حديث الذكريات قبل الإفطار: رمضان قديمًا بعيون الأديب إبراهيم محمد التويم الحلقة ٩


حوار وإعداد ـ محمد آل ماضي
رمضان قديمًا لم يكن كما هو اليوم، بل كان يحمل طابعًا مختلفًا، حيث كانت البساطة والتكافل الاجتماعي هما العنوان الأبرز. لم تكن هناك وسائل الإعلام التي تعلن عن دخول الشهر الفضيل، بل كان الناس يعتمدون على رؤية الهلال بأعينهم، أو ينتظرون أخبار الصائمين في مكة والمدينة، بينما يصل خبر دخول الشهر أو العيد عبر الخطابات أو رسل الإمارة الذين يقطعون المسافات على ظهور الجمال لإبلاغ الناس.
في حديثنا اليوم مع الأديب إبراهيم محمد التويم، سيأخذنا في رحلةٍ عبر الزمن ليروي لنا كيف كان رمضان في الماضي، وكيف كانت العائلات تستعد لاستقباله بأسابيع، حيث كانت الأمهات يجهزن المؤن الأساسية مثل التمر، اللبن، الزبد، والأقط المطحون المخلوط بالماء، بينما الأسواق تشهد حركةً نشطة لكن دون ازدحامٍ كما هو الحال اليوم.
نص الحوار
كيف كان رمضان قديمًا مقارنةً برمضان اليوم؟
رمضان قديمًا كان يتميز بالبساطة والتكافل الاجتماعي. لم تكن هناك وسائل ترفيه حديثة، وكان الناس يعتمدون على بعضهم البعض في تحضير الطعام ومشاركة الأجواء الرمضانية. كانت الروحانية أكثر حضورًا، والفرحة بالشهر أكبر، رغم قلة الإمكانيات.
كيف كنتم تعرفون دخول رمضان في الماضي؟
كان الناس يعتمدون على رؤية الهلال بالعين المجردة أو ينتظرون خبر الصيام من مكة والمدينة. في ظل قلة وسائل الإعلام، لم يصلنا الخبر إلا قرب الظهر، فننوي الصيام حينها.
كيف كان يصل خبر الصيام والعيد إليكم؟
كان خبر الصيام والعيد يصل عبر الخطابات أو البرقيات، أو عن طريق شخصٍ مرسلٍ من الإمارة التي كانت تبعد عنّا نحو 49 كيلومترًا، وكان يأتي على جمال حاملًا خطابًا باسم أمير البلد والمطوع، ليعلن دخول رمضان أو حلول العيد.
كيف كانت استعدادات العائلات لشهر رمضان؟
كانت الاستعدادات تبدأ قبل رمضان بأسابيع، حيث تقوم الأمهات بتجهيز بعض الأطعمة الرمضانية مثل التمر، اللبن، وبعض الحلويات المحلية. الأسواق كانت تنشط، لكن لم يكن هناك ازدحام شديد، فالاحتياجات كانت محدودة، والطعام كان بسيطًا لكنه مليء بالبركة.
كيف كان شرب الماء في رمضان؟
كنا نملأ قدور الماء ونقرع فيها للشرب، وكان هناك لِزَاء وبركةٌ تحت النخل كنا نكرع فيها مباشرة. أحيانًا، إذا كان الماء غير نقي بسبب الذعاليق، كنا نقوم بتشخيله بالشماغ أو الغترة قبل شربه. أيضًا، كنا نأخذ الماء من قاعة البركة التي كان بها شباء، وكان لونه أخضر.
ما الأطعمة التي كانت تتصدر مائدة الإفطار قديمًا؟
كانت المائدة الرمضانية تبدأ بالقهوة العربية، والتمر الخضري الموضوع في مخرفة مصنوعة من الخوص، إلى جانب الماء، الزبد، والأقط المطحون المخلوط بالماء، ثم يليها الأطباق الشعبية مثل:
• المرقوق
• القرصان
• الجريش
• الدويف
• الفريك
• الصبيب
• المقابيط
• المرق
كما كان حليب البقر عنصرًا أساسيًا في السفرة الرمضانية، حيث يُشرب طازجًا مع التمر.
كيف كان السحور قديمًا؟
كان السحور بسيطًا لكنه مغذٍ، حيث كان يعتمد على اللبن، الخبز، العسل، والتمر الخضري، بالإضافة إلى القهوة السعودية التي كانت أساسيةً في كل بيت.
كيف كانت صلاة التراويح في الماضي؟
كانت التراويح تُقام في المساجد الصغيرة المليئة بالمصلين من جميع الأعمار. كان هناك حرص شديد على الحضور، رغم اختلاف عدد الركعات بين المساجد. كانت الأجواء روحانية وخاشعة، وكان الأطفال يرافقون آباءهم، فتترسخ لديهم قيمة الصلاة والجماعة منذ الصغر.
كيف كانت ليالي رمضان بعد التراويح؟
بعد التراويح، كانت العائلات تجتمع في المجالس، حيث يتبادل الرجال الأحاديث عن الحياة والأخبار، بينما تستمتع النساء بجلساتهن الخاصة. كانت القصص الشعبية والتاريخية تُروى في تلك الليالي، وكان الأطفال يستمتعون بسماعها.
كيف كان الأطفال يعيشون رمضان قديمًا؟
رمضان بالنسبة للأطفال كان تجربة خاصة، حيث كانوا يحاولون الصيام تدريجيًا، بدءًا من الصيام حتى الظهر، ثم العصر، حتى يتمكنوا لاحقًا من صيام اليوم كاملًا.
ما أبرز الألعاب التي كان الأطفال يلعبونها في رمضان؟
كانت هناك ألعاب شعبية كثيرة، مثل المدوامة، الشقلبة، والاستغماية. كانت هذه الألعاب تضفي جوًا من المرح بعد الإفطار، وكان الأطفال يجتمعون في الحارات لممارستها حتى وقت السحور أحيانًا.
هل لديك موقف رمضاني لا يُنسى من طفولتك؟
نعم، كنت صغيرًا وأردت أن أصوم مثل الكبار، لكنني لم أتحمل الجوع والعطش، فكنت أصوم حتى الظهر، ثم أتناول أي طعامٍ متوفر، وحين لاحظت والدتي ذلك، ابتسمت وقالت لي: “يا ولدي، الصيام ليس إجبارًا عليك الآن، لكنه تدريبٌ للنفس.”
كيف ترى الفرق بين رمضان الماضي ورمضان اليوم؟
رمضان اليوم تغير كثيرًا، حيث سهلت التكنولوجيا الكثير من الأمور، لكن بساطة الماضي كانت تمنح الشهر نكهةً خاصة، فقد كنا نفطر مع الجيران دون تكلّف، أما اليوم، فقد انشغل الكثيرون بوسائل التواصل الاجتماعي، مما أفقد رمضان جزءًا من أجوائه الروحانية والاجتماعية.
ما الرسالة التي تود توجيهها للأجيال الجديدة عن رمضان؟
أوصيهم بالتمسك بروح رمضان الحقيقية، فهو ليس مجرد امتناعٍ عن الطعام، بل هو مدرسةٌ في الصبر، والتواصل، والعطاء.
كلمة أخيرة في ختام هذا اللقاء؟
أتمنى للجميع رمضانًا مباركًا، مليئًا بالخيرات، وأسأل الله أن يعيده علينا جميعًا بالخير واليُمن والبركات.
ختام الحوار
من خلال هذا الحديث، نقلنا لكم تفاصيل رمضان كما عاشها الأديب إبراهيم محمد التويم، حيث كان الشهر الفضيل رمزًا للبساطة، والتآلف الاجتماعي، والروحانية العميقة. وبين الماضي والحاضر، يظل رمضان يحمل في طياته ذكرياتٍ خالدةً لا تُمحى من الذاكرة، ويبقى جوهره ثابتًا في القلوب، مهما تغيرت الظروف والأزمان.
⸻