في المشهد الثقافي و الرياضي السعودي، تبرز شخصيات صنعت الفارق وخلّدت أسماءها في ذاكرة الأجيال ، و من بين هذه الشخصيات البارزة و المبدعة الأمير عبد الرحمن بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود، الذي جمع بين موهبة الشعر و إدارة الرياضة، فكان شاعرًا مرهف الإحساس وقائدًا رياضيًا ناجحًا، ترك بصمة واضحة في كلا المجالين.
نشأ الأمير عبد الرحمن في بيت الحكم والثقافة، فوالده الأمير مساعد بن عبد العزيز آل سعود كان أحد أبناء الملك عبد العزيز -المؤسس- مما منحه نشأة تجمع بين القيم القيادية والفكر المتزن. ومع ذلك، لم تكن السياسة أو الإدارة التقليدية وجهته الوحيدة، فقد وجد في الشعر ملاذًا يعبّر من خلاله عن مشاعره وأفكاره، فكتب قصائد رنانة لامست القلوب، وغنّى كلماته عمالقة الطرب العربي مثل محمد عبده و عبادي الجوهر.
لم تتوقف مسيرته عند حدود الإبداع الأدبي، بل امتدت إلى عالم الرياضة حين تولّى رئاسة نادي الهلال السعودي سابقاً عام 2008، حيث أحدث نقلة نوعية في مسيرة النادي، وقاده إلى تحقيق العديد من البطولات، معتمدًا على الفكر الإداري الحديث والدعم اللامحدود للمواهب والكوادر الفنية.
و بين الشعر والإدارة، يبقى الأمير عبد الرحمن بن مساعد شخصية استثنائية، تنقّل بين الحرف و الميدان ، و أثرى المشهد الثقافي والرياضي بإنجازات تستحق التوقف عندها. و في هذا اللقاء الحصري ضمن سلسلة “ حديث الذكريات”
في رمضان، نفتح معه صفحات من الماضي، و نبحر في تجربته، لنتعرف على مواقفه، ورؤاه، وذكرياته التي لم تُروَ من قبل.
الحوار الصحفي مع الأمير عبد الرحمن بن مساعد آل سعود
سمو الأمير، نشأتكم كانت في بيئة ملكية، لكنكم اخترتم الشعر ، فكيف بدأ هذا الشغف ؟
نشأت في بيئة ثقافية ثرية، حيث كان والدي الأمير مساعد بن عبد العزيز -رحمه الله- محبًا للأدب و الشعر، وكان له تأثير كبير عليّ. كنت أستمع منذ صغري لكبار الشعراء وأقرأ دواوينهم، ووجدت نفسي منجذبًا لهذا العالم. الشعر بالنسبة لي ليس مجرد هواية، بل هو حالة شعورية وأداة تعبير عن الأفكار والمشاعر بصدق وعمق؟
من هم الشعراء الذين تأثرتم بهم ؟
تأثرت بكثير من عمالقة الشعر العربي، أبرزهم المتنبي، الذي أراه مدرسة متكاملة في البلاغة و الفلسفة والحكمة، و كذلك نزار قباني، الذي امتلك أسلوبًا بسيطًا لكنه عميق في المعاني ، إضافة إلى الأمير بدر بن عبد المحسن رحمه الله الرحمة الواسعة ، الذي يُعد أحد رواد الحداثة الشعرية في المملكة.
كتبتم قصائد مُغنّاة لكبار الفنانين، كيف تصفون تجربتكم في هذا المجال؟
الكتابة للأغنية مسؤولية كبيرة، فهي ليست مجرد قصيدة جميلة ، بل يجب أن تكون ذات إيقاع موسيقي سلس،
و تتناسب مع اللحن و الصوت. سعدت بأن تُغنّى كلماتي بصوت فنانين كبار مثل محمد عبده، الذي يملك إحساسًا فريدًا في الأداء، و عبادي الجوهر، الذي يجيد إيصال معاني الكلمات بلحنه الدافئ. كانت التجربة ممتعة، لأنها جعلت الشعر يصل إلى جمهور أوسع.
بعيدًا عن الشعر، كيف جاءت فكرة تولّيكم رئاسة نادي الهلال؟
يا سيدي الفاضل الهلال ليس مجرد نادٍ بالنسبة لي، بل هو شغف وعشق منذ الصغر. عندما عُرضت عليّ الرئاسة، كنت مدركًا لحجم التحديات، لكنني قبلت لأنني أردت أن أقدم شيئًا لهذا الكيان الكبير. وضعنا رؤية إدارية واضحة، وركزنا على استقطاب المواهب، وتعزيز البنية التحتية للنادي، وبفضل الله، استطعنا تحقيق العديد من البطولات خلال فترة رئاستي.
ما اللحظة الأكثر تأثيرًا في مسيرتكم الرياضية؟
هناك لحظات كثيرة، لكن أكثرها تأثيرًا كانت بطولة الدوري عام 2011، عندما حصدنا اللقب بعد موسم استثنائي. رؤية الجماهير سعيدة، والهلال يحقق المجد، كانت لحظة لا تُنسى. كذلك، الوصول إلى نهائي دوري أبطال آسيا 2014 كان تجربة مليئة بالمشاعر، رغم أن التوفيق لم يحالفنا حينها.
كيف ترون مستقبل الهلال اليوم؟
الهلال دائمًا في المقدمة، وهذا ليس مجرد كلام عاطفي، بل لأن النادي يعمل على أسس إدارية صلبة. اليوم، الفريق يملك مجموعة رائعة من اللاعبين، وإدارة قوية، وجماهير وفية. أرى أن الهلال سيظل منافسًا دائمًا على الألقاب، محليًا وقاريًا.
هل تفكرون في العودة إلى الإدارة الرياضية؟
العمل في الرياضة ممتع لكنه مرهق جدًا، خصوصًا في أندية جماهيرية كالهلال. بعد رحيلي عن الرئاسة، فضّلت التفرغ للشعر والمجالات الثقافية، لكنني لا أبتعد عن الهلال أبدًا، فأنا مشجع أولًا وأخيرًا.
أخيرًا، كيف تقضون شهر رمضان، وهل له طقوس خاصة لديكم؟
رمضان له روحانية خاصة، وأحرص على أن يكون شهرًا للتأمل و العبادة. أحب فيه الأجواء العائلية، وقراءة القرآن، وأحيانًا أجد نفسي منساقًا للكتابة، لأن رمضان يحفّز المشاعر الصادقة.
في ختام هذا الحوار المميز، نعبّر عن عميق امتناننا لسموكم الكريم على سعة صدركم، وثراء حديثكم، وشفافيتكم في استعراض محطات مسيرتكم الحافلة بالعطاء و الإبداع. لقد أتحفتمونا برؤى ملهمة، و ذكريات عابقة بالتجربة و النجاح، تعكس شخصية استثنائية جمعت بين ريادة القيادة وروعة الشعر.