خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.
وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته بقوله: تتوارد علينا مواسم الطاعات والخيرات، وتتوالى الفرص والمناسبات، فيشمر فيها العاقل عن ساعد الجد، ويستحث الهمة، ويترقى في سلم الفضائل، يسمو بروحه، ويغذي إيمانه، ويعزز رصيده؛ يستدرك ما فات، ويستعد لما هو آت، ويسد ما سها عنه وغفل، ويصلح ما عسى أن يكون من الخلل؛ فإذا ما انقضت تلك المواسم؛ تغير حال بعضنا فيضعف النشاط، ويتراجع الحماس، وتخبو الهمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:لكل عمل شِرةٌ، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك)؛ وهذا يحدونا لأن نتساءل عن المسار الأسلم والهدي الأقوم للعمل على مدار العام؟ ولعلنا نستلهم الجواب الشافي، والعلم الوافي من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي جلته لنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين سألها علقمة كيف كان عمل النبي صلى
الله عليه وسلم، هل كان يخص شيئا من الأيام؟ قالت: لا، كان عمله ديمة)؛ أي كان عمله دائمًا لا ينقطع، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحب الأعمال إلى الله تعال أدومها، وإن قل).
وأضاف فضيلته: تمثل هذا المبدأ النبوي الراقي أدومه وإن قل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهلوا من معين الفضائل فغدوا قمماً بها يؤتسى، وسيراً بها يحتذى، اهتبل كل منهم فرصة سانحة من النوافل، يتخير عملاً يطيقه، وطاعة تعلق قلبه بها، وعبادة تميل إليها نفسه، من صلاة، أو صدقة، أو بر، أو صلة، أو غيرها؛ يتقرب لها إلى الله ويداوم عليها، حتى يكون من أحب الناس إلى الله.
وأكمل: فلو خصص المرء وقتاً قليلًا دائمًا لحفظ القرآن، أو لطلب العلم، أو قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، أو قراءة مفيدة، أو الجلوس مع أولاده للتربية، أو في عمل تطوعي، أو تجارة مع الله، أو عمل دنيوي نافع؛ فسيبلغ مراده، ويحقق أهدافه، وسيظهر أثر ذلك رقياً في حياته، وسعة في فكره، ونموا في مداركه، وسيجعله عنصر بناء ينمي مجتمعه ويرتقي بوطنه.
وبيّن: فالتوازن مطلوب في الأعمال والأحوال؛ فإن التكلف في العبادة والتشديد على النفس؛ يؤدي إلى الضعف والانقطاع، ويفضي إلى السآمة والملل والفتور، وقد ينحرف المسار إلى انتكاسة محبطة وغلو مهلك.