استهل إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط خطبة الجمعة بالحرم المكي الشريف بحمد الله والثناء عليه, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والرسل وعلى أصحابه أفضل الصلاة وأتم التسليم, وقد تمحورت حول وصايا وعضات من خطبة الوداع للرسول صلى الله عليه وسلم .
وقال فضيلته في بداية الخطبة: لقد كان للحجة التي حجها رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي سميت بحجة الوداع من الآثار الجليلة، ما جعلها بمثابة جامعة سيّارة، ومعهدًا رحَّالاً، ومدرسة متنقلة، يتعلم فيها من جهل، ويتنبه فيها من غفل، وينشط فيها من كسل، ويقوى فيها من ضعف، ويجدد العهد بما اندرس من معالم الهداية, مشيراً فضيلته إلى مواقف إرشاد للأمة، يبصرها بما فيه خيرها في العاجلة، وما تكون لها به حسن المآب في الآجلة، ورسم لها خطط السير الراشد السديد, وتستقيم على الطريق، دون انحراف عن الحق، أو حيدة عن الهدى.
وأوضح فضيلته: أن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع في حجة الوداع أصول الدين، وأرسى قواعد العدالة، وقرر حقوق الإنسان، وأبطل النعرات والعصبيات التي تصور حمية الجاهلية الفاسدة المفسدة، التي تفرّق الكلمة وتشق الصف، ويتسع بها الصدع، وأعلن صلوات الله وسلامه عليه إلغاء قضايا في الدماء والمعاملات الاقتصادية التي كانت مثار الشغب، وباعث قلاقل في الجاهلية، وأوصى بالنساء خيرا، وحث على إعطائهن حقوقهن, رفعًا لما كانت تصنعه الجاهلية من إهدار لهذه الحقوق، مؤكداً فضيلته أنهما خطبتان ترسمان منهجاً إسلامياً واضح المعالم، بيِّن القواعد، ظاهر الأصول.
وبين إمام وخطيب المسجد الحرام: أنه أخذ صلى الله عليه وسلم في تخطيطه لصلاح أحوال العباد في العاجل والآجل، مبتدئًا بالدماء والأموال، فأحاطهما بسياج منيع يحفظهما من الجرأة عليهما بسفكها في غير حق، وإهدارهما دون موجب، إذ بصونها وحفظ حرمتها قوام أمر الأمة، ودعامة بناء المجتمع، وحرمة الدماء والأموال هي من الدعائم الخمس الضروريات، التي لابد منها ولا قيام لحياة الخلق إلا بها, ولا تسقط إلا بمسوغ شرعي، كإقامة الحد على القاتل، أو القصاص من الزاني المحصن، أو أخذ الزكاة جبرًا من مانعها مع تغريمه.
وأكمل فضيلته الإشارة الثانية في خطبة حجة الوداع, وهي ما يقع في سبيل حفظ المال وحمايته من العوادي، شرع حد قطع يد السارق، وحرم الغش والخيانة، وإتلاف مال الآخرين، وألزم من أتلفه بالضمان، كما شرع الحجر على السفيه الذي لا يحسن التصرف في ماله، وحرَّم الربا، ورفع الضرر بكل ضروبه.
مبينا في ختام خطبته إلى ما قاله صلى الله عليه وسلم مستجيشًا في النفوس عوامل الرهبة من لقاء الله تعالى، والخشية من مناقشة الحساب عنده فقال: (وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، وقد بلَّغت..) , ثم انتقل -بعد ذلك- إلى الحض على أداء الأمانات، ورعاية حق المؤمن، وفاءً بالحقوق الفردية، وحفاظًا على الذمم، واستدامة للثقة بين المسلمين فقال: (فمن كانت عندَهُ أمانةٌ فليؤدِّها إلى منِ ائتمنَهُ عليْها)، وعقّب صلى الله عليه وسلم بهذا التعامل الفردي بالنهي عن أخطر تعامل اجتماعي تواضعت عليه الجاهلية، وتعارفت عليه مجتمعاتها، ألا وهو أكل الربا، فقال: (وإنَّ كلَّ شيءٍ مِن أمْرِ الجاهليَّةِ تحتَ قدَمَيَّ موضوعٌ، و رِبا الجاهليَّةِ مَوضوعٌ).