لدي رأي شخصي في موضوع الثورات العربية، قد يتفق وقد يختلف معي البعض فيما شاهدناه من مسلسل الإطاحة ببعض الحكام العرب، من خلال الثورات التي أفرحت وأسعدت وأطربت كثيرين من العرب، حتى أطلقوا عليها مصطلح الربيع العربي، تيمنا وتفاؤلا بأنها ستجلب للعرب الخير الكثير، وتحقق لهم ما كانوا يحلمون به، من الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والرفاهية، وتحقيق مبدأ تداول السلطة، إلى آخر هذه البشائر.
في رأيي المتواضع، أن البداية لم تكن من تونس، إنما بدأ العمل في إنتاج مسلسل الإطاحة من العراق، عندما اخترعت أميركا كذبتها الكبرى، التي جعلت العالم يصدقها ويقتنع بها، وهي امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، وبحجة تدمير هذه الأسلحة، غزت أميركا العراق واحتلته في عام 2003، وأطيح بالرئيس صدام حسين، وبدلا من أن يدمروا أسلحة الدمار الشامل المزعومة، دمروا العراق بأكمله، دمروا البشر والحجر، وقاموا بتفكيك وتسريح الجيش العراقي، ونهبوا ثروات العراق، وقاموا بعملية قتل ممنهج لعلمائه، واضطر ملايين العراقيين إلى الهروب خارج وطنهم، حتى تاريخ العراق وحضارته وآثاره لم تسلم من التدمير والسرقة، ولم يكتف الاحتلال الأميركي بكل ذلك، بل سلمت أميركا المحتلة العراق إلى إيران على طبق من ذهب، وبدأت مرحلة جديدة من الانتقام والقتل على الهوية، إيران التي كانت تحلم في يوم ما مجرد حلم، أن تنتصر في حربها على العراق، التي استمرت ثمان سنوات، وتحصل على موطئ قدم في الأراضي العراقية، ولم يمكنها الجيش العراقي الذي كان آنذاك جيشا قويا ووطنيا موحدا أن تحقق هذا الحلم، ليس ذلك فقط، بل رضخت إيران في النهاية ووقعت على اتفاقية وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب عام 1988، وتجرع قادة إيران كأس السم على حد قولهم. ثم وصل العراق إلى ما وصل إليه ونشاهده الآن من فتنة وحروب أهلية ونزاعات طائفية أكلت الأخضر واليابس وقتل جماعي يومي وفوضى وتفكيك ووضع محزن ومبك لا يعلم نهايته إلا الله.
هذه هي الديمقراطية التي وعدت بها أميركا الشعب العراقي! ثم ماذا بعد ذلك؟ رأت أميركا (منتجة المسلسل) أن حربها على العراق قد كلفتها الكثير، وخسرت عددا كبيرا من جنودها، وأنه لابد من التوقف عن الاستمرار في العمل في هذا المسلسل، عند هذا الحد أو الجزء (الأول) إلى أن تأتي فرصة مناسبة يستأنف من خلالها العمل لإكمال الجزء الثاني بسيناريو مختلف وشخصيات مختلفة، وبأقل التكلفة والخسائر، ومن غير أن تضحي بجنودها، فجاءت الثورات العربية، وكانت فرصة مناسبة لأميركا وغيرها للاستفادة منها، فاستثمرت واستغلت لتحقيق أهدافهم، بعض الشعوب العربية وخاصة التي لم تستفد من ثورتها حتى الآن، قاموا بالمهمة نيابة عن عدوهم خير قيام، فدمروا أوطانهم وجيوشهم بأيديهم لا بأيدي غيرهم، وأصبح يقتل بعضهم بعضا، ونشروا الفوضى في بلدانهم، من غير أن يخسر عدوهم الحقيقي جنديا واحدا، بل هم أي عدوهم من استفاد من هذا الوضع المحزن والمؤسف والمخزي للعرب، فتحولت الثورات العربية إلى نكبات عربية، والربيع العربي إلى خريف عربي.
حتى انتاب البعض شعور بالحنين إلى الماضي بكل ما فيه من عيوب، وكأنهم ينطبق عليهم قول الشاعر:
رب يوم بكيت منه فلما
صرت في غيره بكيت عليه
[COLOR=#FF004D] الكاتب : عبدالله بن حسن أبو هشام [/COLOR]