يحكى إن أحدهم أدعى النبوة في زمن نبي الله موسى عليه السلام ، فنشر تعاليمه التي أدعى إنها منزلة عليه من الله ، فعقد الخطب وكتب الألواح ووزعها على من حوله من القرى ، فأصبح له أعوان ومصدقين ، وبعد مرور حصة من الزمن ، وسقوط عرش فرعون ، أعاد مدعي النبوة حساباته ، وراجع نفسه ، وأعلن توبته ، فذهب إلي النبي عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام فقال له : لك ذلك ، فباب التوبة مفتوح ، لكن من سيقنع ضحاياك بالتوبة والعودة إلي الحق ؟ فمنهم من مات وهو معتقد برسالتك ، ومنهم من هاجر وهو مؤمن بحجتك ، وأكثرهم ليس لك علم به ، فلقد رسخ وتجذر ما أدعيت به وكتبته ونشرته من فكر وتعاليم بعقولهم وقلوبهم ، وأنت زائل لا دائم ، فإن لم تمت اليوم ، ستموت غداً ، وسيبقى ما أوجدته وبصمته بعد موتك ، تتناقله الألسن وتتلاقحه العقول وينشره الشذاذ ، وكل ذنب سيصدر من أتباعك هي على عاتقك وبرصيدك ، إذ لا مفر ولا عودة من العقاب ، فأنت لم تخطئ لوحدك ، بل جررت خلفك أمة تعقب أخرى ، وكبلت عقولاً بأفكارك وسمومك ، وتريد الهروب بالتوبة ، وترك الناس في وحل الخطيئة .
أخي الكاتب صاحب القلم ، وأخي الخطيب صاحب المنبر ، وأخي الإعلامي صاحب الفكر والرأي ، وأخي المسؤول صاحب المؤسسة الإعلامية : أعتبر من القصة الأنفة ، ولا تنسى إن كل ما تبصمه وتتركه من أفكار وأقوال وإيمان وعقائد للناس بكتاب أو مقال بصحيفة ، أو ببرنامج إعلامي ، أو حتى لما ينشره العوام بوسائل الاتصال الاجتماعي ، سيسجل بأسماك وسيضاف برصيد أعمالك ، ومن سيقع بشباكك سيسجل بقائمة المصدقين بك وأحد ضحاياك ، فأنت الأداة والسبب والمداد والقناة بوضع تلك الأفكار بخيرها وشرها بقمع عقولهم ، فربما تجد اليوم المال والجاه والشهرة ، لكن كل هذا لن يدوم ، وستزول أنت وطيلسانك وهيلمانك ، ويبقى آثرك تتناقله الأجيال والشعوب ، فإن كان خيراً فهو لك ، وإن كان شراً فهو عليك ، فأختار الجميل الحسن ، والحق الصادق ، وأعلم إنك إن نجوت اليوم بالدنيا من بين العباد ، فلن تنجوا غدا بالأخرة من رب العباد ، أو أتبع الحديث " قل خيراً أو أصمت " .
[COLOR=#FF005C]فوزي صادق[/COLOR]
/ كاتب وروائي سعودي :