المال ليس غاية في ذاته، وإنما هو وسيلة من وسائل تبادل المنافع وقضاء الحوائج، فمن استعمل المال في هذا السبيل، كان المال في يده خيراً له ولأمته. ومن استعمل المال على أنه غاية ولذة، انقلب إلى شهوة تورث صاحبه المهالك وتفتح على الناس أبواباً من الفساد.
إن الناس مستخلفون على المال وقوام عليه، مصداقاً لقوله تعالى: ((وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه...)) الحديد/8، وقال عز وجل ((وآتوهم من مال الله الذي آتاكم)) النور/34.
وإذا كان المال على اختلاف أنواعه وأشكاله مال الله والناس مستخلفين فيه ووكلاء عليه، فليس لأحدهم أن يحبس ما في يده من هذا المال عن غيره، إذا كان الناس في حاجة ماسة إلى المال ، وليس له أن يحبسه عن المصالح العامة، وليس له أن يستأثر به دون الآخرين وليس له أن يكنزه.
فالإسلام يحرم على المسلم أن يكنز المال ويعطله فلا ينتفع به ولا يستفاد منه. قال تعالى ((والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم...)) التوبة/34.
وهكذا يمنع الإسلام الثروات والأموال أن تتضخم وينقلها من يد واحدة إلى أيدٍ كثيرة. ويجعل المال في يد الفقراء والأغنياء، كل يستفيد في حقه، ولا يتركه في يد الأغنياء كي لا يكون دُولة بين الأغنياء.
وهذا ما رآه عمر رضي الله عنه قبيل وفاته، فقد أثر عنه أنه قال: ((لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فرددتها على الفقراء)). فخشي رضي الله عنه من تضخم ثروات الأغنياء والترف والبطر، فخاف عليهم وخشي على الفقراء الحسد والفتنة.
وهذا هو منطق الرسول القدوة الأسوة عليه الصلاة والسلام حيث قال: ((مَنْ كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومَنْ كان له زاد فضل من زاد، فليعد به على مَنْ لا زاد له)).
ولما هاجر رسول الهدى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة آخى بين المهاجرين والأنصار. فأنزل المهاجرين على إخوانهم الأنصار، يشاركونهم في كل ما يملكون ويقاسمونهم القليل والكثير. وآثروهم على أنفسهم وهم في أشد الحاجة.
وفي عهد الفاروق رضي الله عنه حدثت مجاعة في سنة ثماني عشرة من الهجرة واشتد الجوع فآلى عمر على نفسه أن لا يذوق سمناً ولا لبناً ولا لحماً حتى يحيى الناس.
وكان يقول رضي الله عنه ((لو لم أجد للناس ما يسعهم إلا أن أدخل على كل أهل بيت عدتهم، فيقاسمونهم أنصاف بطونهم فعلت، فانهم لا يهلكون على أنصاف بطونهم)).
وفي سفر كان أبو عبيدة رضي الله عنه ومعه ثلاثمائة نفر ففنيت أزواد بعضهم، فأمرهم فجمعوا له أزواد مَنْ بقي وجعل يقوتهم إياها على السواء.
وهكذا أقام الإسلام المجتمع على فعل البر والخير والتراحم والتعاطف، وحث القوى والضعيف والغني والفقير على أن يكون كل واحد منهم باراً بأخيه، رحوماً عطوفاً شفوقاً.
وختاماً أقول إخواني الأغنياء إن المال الذي بأيديكم هو مال الله، وهبه الله سبحانه إليكم من فضله وكرمه، وجعله أمانة في أيديكم، وهو قادر إن شاء أن ينزعه منكم أو يدمره تدميراً، فلا تبخلوا على أنفسكم وأهليكم وإخوانكم الفقراء والمحتاجين...
[COLOR=#FF005C]أ . د / زيد بن محمد الرماني [/COLOR]
ــــ المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
للتواصل : [email]zrommany3@gmail.com[/email]