لاشك في أنَّ أهم وأول ما يميز عالمنا عن العوالم التي سبقته هو تلك الثورة التي حدثت في مجال الاتصالات والمعلومات والوسائط، حتى أصبح الكثيرون يختزلون كل التقدم الذي أنجزه العالم المعاصر في تلك النقلة النوعية في تقنية الاتصالات والوسائط.
فإذا كانت العصور السابقة قد حظيت بمسميات تجزيئية من قبيل: عصر الصحافة أو عصر الإذاعة أو السينما أو التليفزيون. فإنَّ العصر الحالي على خلاف ذلك، تقاربت فيه كل هذه العصور بتقنياتها مع الانطلاقات التقنية الحديثة لتطبع العالم المعاصر وتصفه بعصر التقدم في مجال الوسائط، والاتصالات عموماً.
ومن هنا، جاءت مسميات عصرنا الحالي جميعها مرتبطة بالطفرة في مجال الوسائط والاتصالات، بداية من أوسع المقولات ((العولمة))، إلى تلك المتصلة مباشرة بتقنية الاتصالات والوسائط مثل: عصر ثورة الاتصالات والمعلومات أو مجتمع المعلومات أو الانفجار المعلوماتي والمعرفي، أو الثورة المعلوماتية، إلى غيرها من مصطلحات قاموس عصر التقنية غير المستقر، حتى غدت هذه المفردات تمثل أكثر المفردات ترديداً، ليس فقط بين الأكاديميين وعلى أسنة أقلامهم، وإنما أيضاً على ألسنة وفي مناقشات العامة الذين غزت التقنية حياتهم على كل مستوياتها وبكل أشكالها.
جاء في كتاب ((التاريخ الاجتماعي للوسائط)) من غتنبرغ إلى الانترنت، لمؤلفيه ((آسا بريغز وبيتر بورك)): لم يبدأ الحديث عن الوسائط وفقاً لقاموس أكسفورد للغة الإنجليزية، إلا في العشرينات من القرن الماضي. وبعد ذلك بجيل، وتحديداً في الخمسينات، تحدثوا عن ثورة الاتصال، بَيْدَ أنَّ الاهتمام بوسائل الاتصال أقدم من ذلك بكثير.
وفي النصف الأول من القرن العشرين، وخاصة في أعقاب حربين عالميتين، تحول اهتمام دارسي الوسائط إلى دراسة الدعاية.
وحديثاً وسّع بعض المنظرين الطموحين، بداية من عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي كلود ليفي شتراوس إلى عالم الاجتماع الألماني نيكلاس لومان، مفهوم الاتصال، حيث كتب شتراوس عن تبادل السلع والنساء، ولومان عن القوة والسلطة والمال والحب؛ باعتبارها من وسائط الاتصال الكثيرة.
وإن كانت الحال كذلك، وهو السؤال الذي يمكن أن يطرحه الناس على أنفسهم، فما الذي لا يُعدُّ اتصالاً في العالم على شموله؟! على أنَّ هذا التاريخ سوف يقصر نفسه على توصيل المعلومات والأفكار بالكلمات والصور، عن طريق الكلام والكتابة والطباعة والإذاعة والتليفزيون، وحديثاً الانترنت.
لقد أدت إسهامات من علم الاقتصاد والتاريخ والأدب والفن والعلوم السياسية وعلم النفس وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا، إلى ظهور أقسام الاتصال والدراسات الثقافية.
وقد صكت تعبيرات أخاذة تحوي أفكاراً جديدة على يد ((هارولد إنيس)) الذي كتب حول تحيز الاتصالات، و ((مارشال ماكلوهان)) الذي تحدث عن القرية الكونية، و ((جاك جودي)) الذي تعقب ترويض العقل الهمجي، و ((يورغين هابرماس)) عالم الاجتماع الألماني الذي عرف الحيز أو المجال العام؛ باعتباره منطقة الخطاب التي فيها يجري ارتياد الأفكار والتعبير عن الرأي العام.
ختاماً أقول: أيّاً ما كانت نقطة الانطلاق، فمن الأهمية بمكان للعاملين في دراسات الاتصال والدراسات الثقافية أن يهتموا بالتاريخ بجدية، وأن يأخذوا الاتصال مأخذ الجد.
[COLOR=#FF0036]أ . د / زيد بن محمد الرماني[/COLOR]
ــــ المستشار وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
للتواصل : [email]zrommany3@gmail.com[/email]