في حديثنا قبل حوالي الأسبوع في برنامج "يوم جديد" على التلفزيون الأردني عن الحوار بين الثقافات وتقبل الآخر تطرقنا إلى الآية 125 من سورة النحل :{{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}}، مسلطين الضوء على أن الدعوة إلى الله هي أصعب ما يمكن أن يقوم به أحدنا، وبرغم ذلك ربطها الله عزوجل بالحكمة والموعظة الحسنة وليس بالقتل والترهيب، ليتبعها التأكيد في الآية على أنه حتى في حالة "الجدال" وهو عندما يصل النقاش إلى طريق مسدود يجب أن يكون بدون إساءة للطرف الآخر وبالتي هي أحسن، بدون شتم أو إساءة وإهانة، لنربط ذلك في ذاكرتنا مع وصف الله عزوجل ثلاثة من أصعب الأمور بالجمال، فصبر جميل، وصفح جميل، وهجر جميل، وهي المعاني التي نحتاجها في كل أوقاتنا والتي تمنح حياتنا طعماً آخر، فتملأها بالمحبة والتسامح وأجمل الأخلاق، ومفتاح كل ذلك هو كلمة طيبة نابعة من القلب، تقلب العدو صديقاً والحزن فرحاً والتجهم أجمل إبتسامة.
يروى أن أحد ملوك فرنسا أصدر قرارا يمنع النساء من إرتداء الذهب والزينة، فكان للقرار ردة فعل كبيرة وامتنعت النساء عن الطاعة، وبدأ التذمر على القرار وضجت المدينة وتعالت أصوات الاحتجاجات وبالغت النساء في لبس الزينة والحلي، فاضطرب الملك وأمر باجتماع طارئ لمستشاريه الذين حضروا وبدأوا النقاش، فاقترح أحدهم التراجع عن القرار للمصلحة العامة، وعارضه آخرون بحجة أن ذلك مؤشر ضعف وخوف، فطلب الملك حكيم المدينة، فلما حضر الحكيم وعلم تفاصيل المشكلة، قال: أيها الملك، لن يطيعك الناس إذا كنت تفكر فيما تريد أنت لا فيما يريدون هم، فقال له الملك وما العمل؟ أأتراجع إذن؟ قال لا، ولكن أصدر قرارا بمنع لبس الذهب والحلي والزينة لأن الجميلات لا حاجة لهن إلى التجمل، ثم أصدر استثناء يسمح للنساء القبيحات وكبيرات السن بلبس الزينة والذهب لحاجتهن إلى ستر قبحهن ودمامة وجوههن، فأصدر الملك القرار، وما هي إلا سويعات حتى خلعت النساء الزينة وأخذت كل واحدة منهن تنظر لنفسها على أنها جميلة لا تحتاج إلى الزينة والحلي !! فقال الحكيم للملك: الآن فقط يطيعك الناس عندما تفكر بعقولهم وتدرك اهتماماتهم وتطل من نوافذ شعورهم، إن صياغة الكلمات فن نحتاج إلى إتقانه، وعلم نحتاج إلى تعلمه في خطابنا الدعوي والتربوي والتعليمي، لندعوا إلى ما نريد من خلال ربط المطلوب منهم بالمرغوب لهم، ومراعاة المرفوض عندهم قبل طرح المفروض عليهم، وأن نشعر المتلقي بمدى الفائدة الشخصية التي سيجنيها من خلال إتباع كلامنا أو الامتناع عنه، ولا شيء يخترق القلوب كلطف العبارة وبذل الإبتسامة ولين الخطاب وسلامة القصد، ومصداق ذلك قوله تعالى في الآية 159 من سورة آل عمران: {{فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}}.
وقد إطلعنا قبل فترة على تجربة الكاتب الياباني ماسارو إيموتو المثير للجدل، والذي أثبت تأثير الكلمة بشكل عملي فأحضر ثلاثة أوعية وملأها بالماء ووضع بداخلها أرز مطبوخ لمدة شهر كامل، وكان يحضر إلى كل وعاء يومياً فيلقي التحية على الأول، ويقول للثاني أنت أحمق، بينما يتجاهل الوعاء الثالث تماماً، فماذا كانت النتيجة؟ بعد مرور الشهر كان الأرز في الوعاء الأول قد تخمر وأصبحت رائحته أجمل، في حين تحول الأرز في الكوب الثاني إلى اللون الأسود تماماً، أما الوعاء الثالث فقد تفعن فيه الأرز بشكل كامل !! وصدق رب العزة عندما قال:{{أَلم تر كيف ضرب اللَّه مثلاً كلمةً طيبةً كشجرة طيبة أَصلها ثابت وفرعها في السماء* تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب اللَّه الأَمثال للناس لعلهم يتذكرون* ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار}} سورة إبراهيم 24-26.
وفي الختام ليت كل منا ذكراً كان أو أنثى يعمل جاهداً لإستثمار ما بداخله من رصيد من الكلام الجميل والطيب ليعطر به أسماع الآخرين في كل فرصة ومناسبة، بل ويستثمر أيضاً عطره الشخصي الخاص به والذي لا نعتقد بأن هناك من يمكن أن يستغني عنه، ليعطر به أي فضاء مكان يتواجد به قبل مغادرته، لعله يترك أجمل الأثر في نفس كل من يفوز بعطر كلمة جميلة منه أو شذى عطره الخلاب.
ودعونا نختم سطورنا بجملة ذكرناها قبل أيام، بأن محبة الناس وإحترامهم لا يمكن أن تعادل ولا حتى مليون دولار ..!
وقبل أن تستغربوا الرقم نؤكد لكم بأن جملتنا هذه التي أكدتها السطور السابقة هي لأن المال زائل لا محالة، أما محبة الناس ورسم الابتسامة على وجوهم وتخفيف آلالامهم فلا يساويها ولا كل ملايين هذه الدنيا الزائلة، لأنها كلها زائلة لا محالة بينما رضى الخالق عزوجل ومحبة الناس واحترامهم يبقى أثره محفوراً في القلوب والعقول لا يزول.
[COLOR=#FF0026]بقلم م. عبدالرحمن "محمدوليد" بدران[/COLOR]