يقول أبو منصور الثعالبي رحمه الله في كتابه الرائع ((خاص الخاص)) تحت فصل في التجارة والدهاقين: لما رجع أبو الفضل المحمي من الحج اتخذ دعوة دعا إليها نيسابور ووجوهها وفيهم أبو زكريا الحربي، وأبو الحسين بن لسياه الفارسي رأس التجار وأديبها وفقيهها، فأفضت بهم الأحاديث على أن أفاض ابن لسياه في مدح التجارة وفضل التجار وأطنب في مدحهم ثم قال من جلالتهم: أن لهم أمثالاً مستعملة بين السادة والكبراء كقولهم: الصرف لا يحتمل الظرف، ورأس المال أحد الربحين والأرباح توفيقات، والتدبير نصف التجارة، والغلط يرجع النسيئة، ونسيان النقد صابون القلب، وكل شيء وثمنه، ومن اشترى الدون بالدون رجع إلى بيته وهو مغبون، والتجارة إمارة، واشتر لنفسك وللسوق، والمغبون لا محمود ولا مأجور، وأطيب مال الرجال من كسبهم، والكسب في كتاب الله التجارة.
وقال أبو زكرياء، أين أنت من أمثال الدهاقين؟ قال: مثل ماذا؟ قال: خذ إليك، قال: ابتغوا الرزق في خبايا الأرض، وغرسوا وأكلنا، ونغرس ويأكلون، ومطرة في نيسان خير من ألف سنان، وإذا كانت السنة مخصبة ظهر خصبها في النيروز، والسعر تحت المنجل، وفلاح المعيشة في الفلاحة ونقصان الغلة زيادة الغلة، وزيادة السعر في نقصان الغلة، فما نقص مما يكال في الجواليق وزاد فيما يوزن بالموازين، ومن جمع بين الزرع جمع طرفي النفع.
وأنشد:
[poem="font="Simplified Arabic,4,#000000,bold,normal" bkcolor="#FFFFFF" bkimage="" border="none,4,#400000" shadow="1" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,#400000""]
خضرة الصيف من بياض الشتاء وابتسام الثرى بكاء السماء[/poem]
وأورد الثعالبي رحمه الله في كتاب آخر بعنوان اللطف واللطائف تحت باب في ذكر التجارة والسوقة وكلامهم من جنس صناعتهم:
النسيئة نسيان، والتقاضي هذيان ونعوذ بالله من حساب يزيد، والسلف تلف، ومن اشترى ما لا يحتاج إليه باع ما لابد منه، وسوقنا سوق الجنة لا بيع وشرى.
قال أبو محمد محمود البزاز الأصبهاني للصاحب أبي القاسم بن عباد: لازال مولانا في سلامة مطرزة بالعافية، مبطنة بالسعادة، فقال: أحسنت أبا محمد أخذتها من صناعتك.
وقال جلال الدين السيوطي رحمه الله في كتابه النفيس صفة صاحب الذوق السليم، تحت عنوان: صاحب الذوق السليم من الشحاذين: قليل السؤال، كثير الاحتمال، يرضى بالقوت حتى لا يصير ممقوتاً، راض بقسمة الله، متوكل على الله يمضي خماصاً ويعود بطاناً، فهو من الشيطان في أمان لا يكتنز شيئاً من المال، كثير الصبر والاحتمال، يقينه صادق، يكره سؤال الخلائق، وزاهد فيما في أيدي الناس، خلي من الهم والوساوس، مواظف على الخمس، لا يحزن على ما فاته بالأمس، مهذب الخلاق لا يخالف الرفاق، كل خلوة عنده حلوة، إذا حصلت له المؤونة، فلا يشق المدينة، عفيف النفس نظيف، لا يسأل الناس في أكثر من رغيف.
[COLOR=#FF0026]أ . د / زيد بن محمد الرماني[/COLOR]
ــــ المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية