نعيش بين ربوع أرض الحرمين الشريفين في المملكة العربية السعودية منذ سنوات طوال، وتجمعنا مع أهل هذه البلاد عادات وتقاليد إسلامية وعربية وحسن جوار، حتى أضحت مشاعرنا تجاهها بمثابة مشاعرنا تجاه وطننا الأردني الغالي الذي يعيش بين ضلوعنا، ونعلم تماماً بأن الأصل في أهل هذه البلاد هو دفع الظلم عن المظلومين وإحقاق الحق أينما كان ومع أي كان.
وصلتنا بالأمس رسالة من إحدى أكبر صفحات الأردنيين في السعودية، مفادها وقوع حادث أليم لشقيقين أردنيين يقيمان في أرض المملكة العربية السعودية، لنجد أن واجبنا الديني والأخلاقي قبل الإعلامي تجاه أبناء وطننا يحتم علينا الوقوف بجانبهم والبحث عن حقيقة الأمر، والمساعدة فيه قدر المستطاع، ولكن وقبل ذلك كانت بعض المواقع الإخبارية تسارع لنشر خبر مفاده: "طرد شقيقان أردنيان من مستشفيات السعودية بعد تعرضهم لحادث سير .. !!"
ومن هنا سارعنا لرفع الهاتف للتواصل مع الأطراف كافة، فتحدثنا إلى الشاب الأكبر أ.س إستجلاء للأمر، والذي أخبرنا بالتفاصيل، وفيها أن الشابين كانا يقودان مركبتيهما يوم الخميس 02-01-2014م على طريق المينا في مدينة الدمام، عندما أغلقت شاحنة الطريق عليهم ولم يترك لهم سائقها أي مجال لتفادي الحادث، ليصاب هو نتيجة الحادث بكسر في الحوض والأضلاع، وشقيقه الأصغر بكسر مضاعف في الكتف.
تم نقل الشابين لمستشفى الدمام المركزي، فتم إعطاء أ.س الإسعافات الأولية ثم إخراجه بعد الإطمئنان على صحته، وليس طرده كما نشر البعض، وتم الإبقاء على عبدالله الذي أفاق من غيبوبته قبل يومين وحالته الآن مستقرة، وسيتم إخراجه من المستشفى اليوم الأحد 12-01-2014م بعد التأكد بأن حالته لا تستدعي البقاء أكثر من ذلك، وبالتالي لم يتم طرده هو أيضاً ...!!
وقد تم التواصل بين أهل الشابين والسفارة الأردنية، والتي سارعت بدورها لطلب التقارير الطبية كافة، ومن ثم مخاطبة الخارجية السعودية بخصوص الأمر، ومن خلال المكالمات العديدة التي دارت بيننا وبين الشقيق الأكبر اليوم، تبين لنا بأنهم يعيشون في المملكة العربية السعودية منذ ثلاثين عاماً، وبأنه يعيل زوجته وأولاده إضافة لوالديه، إلى جانب شقيقه الأصغر الذي يعيش مع والده ذو الخمسة والثمانين عاماً، ووالدته الكبيرة في السن، ومكمن الأمر كان في رفض شركة التأمين تغطية تكاليف علاجه إلا بعد أن يتم العلاج ومن ثم تحاسبه على الفواتير، أما شقيقه فتأمينه الطبي منتهي ولم يتم تجديده من قبل شركته، ولذلك لا يوجد من يتكفل بعلاجه.
وبالرغم من ذلك فإن أ.س لا يشتكي عوزاً مادياً، ولكنه يقف حائراً أمام شركة تأمين تمنحه التغطية الصحية ثم عندما يصاب بحادث كهذا يتحمل الطرف الآخر أكبر مسؤوليته تقف لتقول له بأن يذهب ليتعالج ويتحمل كافة التكاليف ثم يأتيها بالفواتير لتحاسبه فأي منطق هذا ..!
ولسماع كافة الأطراف قبل التسرع في الحكم على الأمر تواصلنا مع السفارة الأردنية لإستيضاح الأمر، فأوضح لنا المسؤولين في السفارة بأنهم على تواصل مع أهل الشابين منذ اللحظة الأولى التي وصلهم الخبر فيها، وقد طلبت السفارة التقارير الطبية الكاملة عن الحالتين فتم إرسالها من أهل الشابين، وقامت السفارة بمخاطبة وزارة الخارجية السعودية بالأمر لمتابعته، ذلك أن الحادث وقع فوق الأراضي السعودية ولا يمكن للسفارة الأردنية تجاوز السلطات السعودية بأي حال من الأحوال.
وقد أكد لنا مسؤول السفارة متابعته للأمر بشكل يومي حتى أنه طلب منا الحضور لإطلاعنا على سجل المكالمات وكافة التقارير الطبية التي وصلت للسفارة، هذا بالإضافة إلى أن أهل الشابين طلبوا من السفارة الأسبوع الفائت نقل الشقيق الأصغر للعلاج في الأردن، فطلبت السفارة تقريراً طبياً يؤكد إستدعاء حالته لذلك كما يؤكد تحمل حالته لذلك حتى لا يكون هناك خطراً على حياته.
ليس هذا فقط بل وتواصلت السفارة مع أحد الأطباء الأردنيين في منطقة الشابين لمساعدتهم في العلاج ولو برسوم رمزية، وبعد كل هذا يأتي البعض ليقول بأن السفارة غايبة فيلة ..!
وعندما سألنا الشقيق الأكبر الذي أكد لنا كل كلمة واردة في هذا المقال، ويمكن لكل شخص أن يتأكد من ذلك بنفسه عن رسالته للسفارة الأردنية في السعودية، وهل قصرت معهم كان رده مجملاً في جملة واحدة: "بيض الله وجههم الذين تواصلوا معنا وعملوا ومازالوا يعملون بكل جهدهم للمساعدة في الأمر".
ونحن نقول بدورنا للشقيقين المصابين بيض الله وجهكم وأزال كربتكم، ويسر لكم وجوه الخير التي تساعدكم على تجاوز محنتكم في أقرب وقت بإذن الله تعالى، فيا أبناء وطننا وجعكم وجعنا وألمكم ألمنا، لا نرضى لكم الظيم والظلم مهما كان فكل واحد منا يمكن أن يكون مكانكم في يوم ما.
ولمسؤولي السفارة الأردنية في السعودية لا يسعنا بعد كل ما سمعنا وعلمنا إلا نقول لهم بدورنا: بيض الله وجهكم فأمثالكم فخر لنا، ممن يستقبلون آلالام وهموم أبناء الوطن حتى في ساعات منتصف الليل، وآخرون نيام ليس لهم إلا الأحلام والأوهام، وبهمة المخلصين من أمثالكم سيبقى فخرنا بالإنتماء لوطننا الأردني الغالي يعانق عنان السماء.
وأخيراً كم نتمنى أن نبقى مع كافة زميلاتنا وزملائنا في الحقل الإعلامي الباحثين عن صدق الخبر ودقته، قبل البحث عن أيادي تصفق لنا لمجرد نشر أي خبر كيفما إتفق، فالكلمة التي نكتبها دين في رقبتنا سنسدده أمام الخالق عزوجل عاجلاً أم آجلاً، ولنتذكر بأن شجرة واحدة نستطيع أن نصنع منها آلالاف أعواد الكبريت، بينما عود واحد نرميه بخبر لا مصداقية له يمكن أن يحرق آلالاف الأشجار لوحده ...!
[COLOR=#FF0036]بقلم : عبدالرحمن "محمد وليد" بدران [/COLOR]