حكايات تاريخية اقتصادية !!
الحكاية الأولى:
يُروى أنه كان عند يونس بن عبيد حُلل مختلفة الألوان ضَرْبٌ منها قيمة كل حُلة منها أربع مئة، وضَرْبٌ كل حُلة قيمتها مئتان؛ فمر إلى الصلاة، وخلف ابن أخيه في الدكان، فجاء أعرابي وطلب حُلة بأربع مائة، فعرض عليه من حلل المئتين، فاستحسنها ورضيها، فاشتراها، فمشى بها وهي على يديه، فاستقبله يونس، فعرف حلته، فقال للأعرابي: بكم اشتريت؟ فقال: بأربع مائة. فقال: لا تساوي أكثر من مئتين، فارجع حتى تردها. فقال: هذه تساوي في بلدنا خمس مائة وأنا ارتضيتها، فقال له يونس: انصرف، فإن النصح في الدين خير من الدنيا بما فيها، ثم ردّه إلى الدكان ورد عليه مئتي درهم، وخاصم ابن أخيه في ذلك وقاتله، وقال: أما استحييت؟!. أما اتقيت الله؟!. تربح مثل الثمن وتترك النصح للمسلمين؟! فقال: والله ما أخذنا إلا وهو راض بها. قال: فهلا رضيت له بما ترضاه لنفسك!
الحكاية الثانية :
نقل عن السري السقطي أنه اشترى كرَّ (مكيال) لوز، وهو ستون قفيزاً؛ بستين ديناراً، وكتب في رزنامجه (أي دفتره) ثلاثة دنانير ربحه، وكأنه رأى أن يربح على العشرة نصف دينار، فصار اللوز بتسعين، فأتاه الدلال، فطلب اللوز، فقال: خذه. قال: بكم؟. قال: بثلاثة وستين ديناراً. فقال الدلال؛ وكان من الصالحين: فقد صار اللوز بتسعين. فقال السري: قد عقدت عقداً لا أحله، لست أبيعه إلا بثلاثة وستين. فقال الدلال: وأنا عقدت بيني وبين الله أن لا أغش مسلماً، لست آخذه منك إلا بتسعين. قال: فلا الدلال اشترى منه ولا السري باعه!...
الحكاية الثالثة
كان الحسن والحسين رضي الله عنهما من خيار السلف يستقصون (أي يدِّققون في الشراء)، ثم يهبون مع ذلك الجزيل من المال. فقيل لبعضهم: تستقصي في شرائك على اليسير ثم تهب الكثير ولا تبالي؟!. فقال: إن الواهب يعطي فضله، وإن المغبون يغبن عقله!...
أكتفي بهذه الحكاية الثلاث والتي تبيِّن سمو الأخلاق الإسلامية، وما تحلى به سلفنا الصالح من صفات حسنة، وآداب طيبة، عكست سماحة الإسلام وروعته.
وفي المقابل، فإن الناظر في حياتنا المعاصرة ليجدها ـ في معظمها ـ بعيدة عن مكارم الأخلاق التي دعى إليها الإسلام، مما ولَّد وخلَّف أضراراً ومساوي عديدة: ضياع، خوف، تشرد، جوع، فقر، انتحار، سرقة...
وكما يقول أحد الباحثين : ((إن تجرد الناس من مكارم الأخلاق ومن المُثـُل العليا ومن القيم الإنسانية ومن السعادة الحقيقية، بل ومن الأمن والسلام، لأن ضياع الأخلاق ضياع للثروة وانهيار للقوة ـ إن عاجلاً أو آجلاً، سواء كان على المستوى الفردي أو الجماعي أو الدولي)).
ومن ثم كانت النظرية الإسلامية في الاقتصاد غير منفصلة عن الجانب الأخلاقي سواء من حيث الوسائل والنظريات، أو من حيث المقاصد والأهداف، ولهذا فإن تدعيم المبادئ الأخلاقية يعتبر من أهم المقاصد الشرعية المعترف بها...
[COLOR=#FF001F]أ . د / زيد بن محمد الرماني[/COLOR]
ــــ المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية