الثقافة في عصرنا الراهن متعددة المصادر متنوعة الألوان. إذ لم تعد المدرسة وحدها هي المصنع الذي يُصنع فيه الرجال، وتصاغ فيه الأجيال. فقد أصبح ينافسها في هذا الميدان كثير من القوى الجديدة التي ولدتها المدنية الحديثة، ينافسها في ذلك المطبعة بما تخرجه من كتب ومن صحف ومن نشرات، وتنافسها فيه الإذاعة بما توجهه من كلمات وألحان في مختلف الصور والألوان، وتنافسها فيه السينما بما تجسّمه لوحتها الخداعة من حكايات وما تعرضه من فنون وشؤون، وتنافسها ألوان أخرى أقل أهمية مثل المحاضرات والندوات والمسامرات والمؤتمرات التي تعقد في الأندية وفي المواسم بمختلف صورها وفي الجماعات، ومثل شركات تسجيل الأغاني ودور اللهو والتمثيل.
ومن الجديد المذهل الذي رمينا به هذا العصر ((الإيدز الثقافي)) وهو موضوع ذو تفاريق، والكتابة فيه كتابة جامعة شاملة تستغرق عدداً من الأسفار, إذ من صور الإيدز الثقافي ما يلي:
1) خضوع الدول الإسلامية للدول الكبرى من خلال الحماية والتبعية.
2) تبنّي بعض الدول الإسلامية معتقدات أهل الغرب وعاداتهم وتقاليدهم وأخلاقهم.
3) محاربة اللغة العربية بإحياء لغات أخرى سمّوها لغات حيّة لتحل محل اللغة العربية.
4) محاولة تشويه التراث الإسلامي بالتشكيك في مصادره: القرآن والسنة وكذا في علومه: الفقه وأصوله، وأيضاً في الأدب العربي. وقد أشار كثيرون إلى خطر الإيدز الثقافي على الأمة، بل وحتى علماء الغرب تنبّهوا لذلك، يقول ميال كندورا ـ الكاتب التشيكي: ((إن الثقافة هي ذاكرة الشعب، وتفريغ أمة من ثقافتها، أي من ذاكرتها وأصالتها، يعني الحكم عليها بالموت)). ويقول بيير بيرار ـ الكاتب الفرنسي ـ: ((إن أوروبا وفرنسا واقعة نفسيهما ضحية لعدوان جديد هو الأمركة Americaniation)). إن هذه المخاوف الأوروبية نحن أولى بها.
وقد استخدم الغرب وسائل عديدة لنشر الإيدز الثقافي بين أوساط شباب الأمة الإسلامية، ومن هذه الوسائل:
1) محاولة الاستيلاء على عقول أبناء المسلمين وترسيخ المفاهيم الغربية فيها، حتى تكون طريقة الغرب هي الطريقة الفضلى في كل شيء.
2) رعاية الغرب لطائفة كبيرة من أبناء المسلمين في كل بلد وعنايته بهم وتربيتهم حتى يتشربوا الأفكار الغربية، ومن ثم يتسلموا المناصب والقيادات في بلدانهم، ويقوموا بترويج الأفكار الغربية وإنشاء المؤسسات التعليمية المسايرة للنهج الغربي والخاضعة له.
3) إنشاء الجامعات الغربية والمدارس التنصيرية في بلاد المسلمين.
4) الدعوة إلى إفساد المجتمع المسلم وتزهيد المرأة في وظيفتها في الحياة، ودعوتها إلى السفور والتحرر ومشاركة الرجال.
إنه لابد من تكوين جيش ضخم من العلماء والمثقفين يوازي الجيش العسكري في التخطيط والمهارة والاستعداد والتأهب والقدرة على الدفاع الصاعق والهجوم المقتحم. ويمكن مواجهة هذا الإيدز الثقافي من خلال:
1) تركيز العقيدة في نفوس شبابنا وتوضيح معالم الدين الإسلامي.
2) توعية الشباب وتربيتهم على الدين الإسلامي بوعي وتخطيط دقيق.
3) انتقاء المعلمين من الصفوة المؤمنة التي تتسم بالغيرة على عقيدتها ودينها.
4) نشر مبادئ التربية والتعليم على مختلف التخصصات والأصعدة.
هذه بعض الدروع الواقية، والقواعد المحافظة على شباب الأمة الإسلامية.
إننا إذا استطعنا الحصول على الاستقلال الثقافي فلن يكون هناك ما نخشاه من التطور والارتقاء الاجتماعي الطبيعي التلقائي في إطار قيمنا ومُثُلنا الإسلامية الخاصة، ولكن مادمنا تابعين للغرب، فإن التغيير لا يعني شيئاً سوى الهجر المتواصل لقيم الإسلام مقابل نمط العيش الغربي.
[COLOR=#FF0036]أ . د / زيد بن محمد الرماني[/COLOR]
ــــ المستشار وعضو هيئة
التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
للتواصل : [email]zrommany3@gmail.com[/email]
التعليقات 1
1 pings
Warning: Attempt to read property "display_name" on bool in /home/adwahail/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 281
Warning: Attempt to read property "user_level" on bool in /home/adwahail/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 282
Warning: Attempt to read property "user_url" on bool in /home/adwahail/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 283
Warning: Attempt to read property "ID" on bool in /home/adwahail/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 284
08/11/2013 في 3:30 ص[3] رابط التعليق
ما اجمله من مقال واعي
بارك الله فيك
(0)
(0)