عقود من الدعم والمؤازرة، ليس غريبًا أن تقوم المملكة العربية السعودية بجهود دبلوماسية دولية حثيثة لدعم الحق الفلسطيني في إقامة “دولة فلسطين”. وليس جديدًا أن تسعى إلى حفظ حقوق الشعب الفلسطيني، ودعمه وتخفيف المعاناة عنه، وتوحيد كيانه وموقفه، بكل السبل الممكنة، دون أن يرافق جهودها تلك ضجيج إعلامي كما تفعله دول إقليمية عديدة. ودون استثمار القضية سياسيًا لتحقيق مصالح خاصة لها كما تفعل دول إقليمية معروفة. ودون استئثار بالدور عن بقية الدول المعنية بقضية العرب الأولى، والقضية الإسلامية الأبرز، بل تؤكد المملكة دائمًا أنها تنطلق من إدراكها لواجبها الديني والعربي والأخلاقي، وما يقوم به كل الدبلوماسيين السعوديين في هذا الجانب هو استمرار لمن سبقهم لتأكيد مواقف المملكة الثابتة منذ تأسيسها من القضية الفلسطينية.
وتستثمر المملكة كل علاقاتها لدعم الحق الفلسطيني، وليس هناك أدل من ربطها أي تسوية بالمنطقة بحل القضية الفلسطينية أولًا. ورفضها كل الضغوط لحلحلة الموقف السعودي من التطبيع مع إسرائيل أو إيجاد أي شكل من العلاقة مع دولة الاحتلال بقبول الأخيرة إقامة دولة فلسطينية أولًا.
المملكة تتعاطى مع المشهد السياسي الصعب والمعقد الذي وصلت له القضية العربية الأولى، بكل حكمة واقتدار، وتراعي مصلحة الفلسطينيين أنفسهم حتى وإن عمي ذلك على البعض. وسط تدخلات قوى إقليمية ساهمت في تأخير الحل الأمثل للقضية لعقود، واستثمرت دول عديدة معاناة الفلسطينيين لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، وكل ما كانت تقوم به تلك الدول هو بيع أحلام الفلسطينيين.
حكومات إقليمية وعربية متلاحقة كانت تجيش الكتاب والمحللين لتحسين صورتها، وعملت على تغيير الفكر العربي والفلسطيني، وساهمت في اختطاف مفهوم المقاومة الفلسطينية المشروعة لتتحول لفصائل مسلحة تقدم خدمات سياسية وإرهابية لحكومات أخرى.
جزء من الوعي العربي مهم لفهم من خدم القضية الفلسطينية ومن أضرها؟!
بدأت معاناة الفلسطينيين من عدم رؤيتهم للحل، ومن اعتقاداتهم الخاطئة بسبب معزوفات كانت تتغنى بالحق الفلسطيني. فماذا قدمت كل القوى التي كانت وما زالت تدعي دعمها سوى الخراب الذي نراه في غزة، وآلاف القتلى من شعب يحلم بوطن ودولة مستقلة وكيان سياسي مستقل؟
وقع الكثير من الفلسطينيين والعرب ضحية ادعياء المقاومة، وكانت جهود فيالق القدس وفلسطين تغزو كل العواصم العربية وتقتل العرب وتهاجم الحكومات ولم تحرر شبرًا من الأراضي المحتلة. كانت مشكلة الوعي العربي تتفاقم بسبب الكثير من الكتاب والمحللين العرب، الذين شرعنوا بجهدهم الإعلامي دور قوى إقليمية طامعة بالأرض العربية، مستغلين حماسهم تارة وجهلهم تارة وحقدهم تارة أخرى. فقدموا لأجلها التحليلات المزيفة والقراءات المغلوطة والمقالات الحاقدة، وهاجموا الحكومات العربية التي كانت تقدم الدعم الحقيقي للقضية وللفلسطينيين في الداخل. وسار الجمهور العربي وراءهم مفتونًا ومصدقًا ومستسلمًا.
من المؤكد أن الدور الإيجابي للمملكة المستمر والراسخ لا يرضي إسرائيل ومن معها من صهاينة العرب والغرب من الكتاب والمحللين، ولا يرضي الفرس ومن معهم من مجوس العرب والغرب من الكتاب والمحللين أيضًا، لهذا لا نستغرب عندما نقرأ تغريدات أو مقالات، أو نشاهد مقابلات فضائية لمفكرين يعرفون حقيقة الموقف، ولكنهم لأهداف خاصة، يلوون الفكر العربي، للتشكيك بمواقف المملكة، أو يسعون للتقليل من حجمه أو أثره أو أهميته. وكل عمل تلك الأقلام المأجورة والعقول المغيبة هو سراب بقيعة يحسبه الضمآن العربي ماء. وكل جهدهم الإعلامي المأجور غربال لا يحجب حقيقة الدور السعودي الداعم للحق الفلسطيني. لقد تكالب الأعداء ولكن الله غالب أمره. وهي لحظات يكشف الله فيها الذين في قلوبهم مرض.
والمستغرب أحيانًا أن الإعلام الوطني والخليجي والعربي، والكتاب المعروفين لا يتحدثون بإسهاب عن دور المملكة الدبلوماسي، لخدمة القضية الفلسطينية. وهي جهود ظاهرة، وجهود مقروءة، لتبيان الحقيقة للجمهور العربي المغيب، ووضع الحجر في أفواه المغرضين. المشاهد العربي اليوم يحتاج رغم تنوع وسائل الإعلام إلى من يرشده للحقيقة ويدرك أن الكثير ممن تحدثوا باسم القضية لم يكونوا سوى تجار مواقف، وأن القضية ليست سوى أوراق سياسية يساومون بها الغرب والصهيونية العالمية، فحققوا برامج عسكرية ومساحات سياسية، لا أكثر. وأن هجومهم المستميت ضد المملكة ودول الخليج كان لإبقاء أوراق القضية الفلسطينية في يدهم فقط. إن معركة الفلسطينيين ليست مع إسرائيل بل كانت مع القوى الإقليمية التي تحدثت باسمهم وتاجرت بقضيتهم، وكان يخدمهم الكتاب العرب والمحللون بالقنوات الفضائية لتكريس دورهم وإضفاء عباءة النقاء وتحسين صورتهم. واللوم يقع أيضًا على القوى الفلسطينية التي باعت معاناة الفلسطينيين وتاجرت أيضًا بالقضية، إن تراجع القوى الإقليمية وانكشاف المأجورين من الكتاب والمحللين هو الخطوة الأولى لحل القضية العربية الأولى والقضية الإسلامية الأبرز.
الوعي العربي يحتاج إلى وقفة وتأمل لكي يدرك الحقيقة. وإن الوقت قد حان ليقف الجميع مع جهود المملكة المتواصلة لإقامة الدولة الفلسطينية ونصرة الشعب الفلسطيني. ولله الأمر من قبل ومن بعد. وما توفيقي إلا بالله.
بقلم : عبد العزيز بن رازن.