كلما تقرأ عن الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ وتُمعن في أقواله وأفعاله وتصرفاته ودوافعه، وما تحقق على يديه، تشعر أنك تقرأ سيرة رجال في رجل. فقد اتصف بمعانٍ وقيمٍ كلية، وبالرغم من أنه وُلد وعاش في زمن يسوده التخلف والجهل والانحطاط الفكري والثقافي في جزيرة العرب، إلا أنه أنشأ دولة ذات سيادة وقانون، تمثل قارة، وبأدوات بدائية.
دولة وحَّد فيها أطرافًا كانت تخضع لسيطرة دول متقدمة عسكريًا وحضاريًا، وكان يتمترس فيها أشرس القبائل، المتمرّسة في السلب والنهب، والكر والفر، والحروب القبلية، لا هدف لهم سوى الرئاسة والمال. قبائل بعقول تفتقر إلى الرحمة، ومشاعر لا إرافة فيها، ودين لا يمنعها من الظلم والغدر.
على أرض شاسعة وواسعة، متشكّلة من أصعب التضاريس وأفقرها، المليئة بالأدغال، والجبال الشاهقة، والصحارى المقحطة، والأوكار المحصنة، والحيوانات المفترسة… سَخَّر الله له البشر والحجر والمدر والشجر، فأنشأ إدارةً تضم رجالًا مخلصين، استقطبهم من مختلف البلدان المتقدمة، يمتلكون ثقافة عالية في شتى المجالات.
استطاع أن يشكّلهم ويديرهم ويوجه عقولهم ليؤسس دولة ذات دستور مبني على العدل والعلم والشرع، وخاطب دولًا عظمى، واجتمع مع رؤسائها وممثليهم، فأبهرهم، وهزمهم فكريًا، وانتزع منهم ما يحتاج إليه لصالح وطنه وشعبه، بفضل حنكته وحكمته.
فأدار تلك الدولة بكل جدارة واقتدار. كان رجلًا بأمة، وصانع تاريخ من قلب الصحراء القاحلة، ونال إعجاب خصومه قبل أصدقائه، فشهدت له دول كبرى بحكمته ودهائه السياسي.
فما ننعم به اليوم، وما وصلت إليه المملكة العربية السعودية، فهو ـ بعد توفيق الله ـ من تأسيسه وصنيعه.
لهذا، لم أستطع تصنيفه بأيٍّ من المسميات التي تُطلق على حكام العالم؛ فهل هو خليفة؟ أم إمبراطور؟ أم إمام؟ أم ملك؟
كل تلك المسميات لا تُعطيه وصفه الحقيقي؛ فهو يتصف بخليط من تلك المسميات،
2 تعليقات
كلام رائع في حق الملك عبد العزيز، ومهما قيل فانه لا يكفيه حقه، اذا وضعناه في سياقه التاريخي وتلك الظروف والهيمنة الاستعمارية حين لم يكن هناك قوانين ولا مجالس اممية ضابطة لها.
ولقد تتابع ابناؤه على مسيرته، ثم جاء ولي العهد محمد بن سلمان ليعيد لنا عبقرية جده ولكن بما يناسب عصره، فقلب موازين القوى الدولية لتتماشى مع ما يريد الى حد بعيد.
الذهب يابى الا ان يكون ذهبا من بعضه ذهبا.