يُعد الشرق الأوسط من أكثر مناطق العالم حساسية واضطراب إذ تتقاطع فيه مصالح دولية كبرى مع قضايا محلية معقّدة منذ بدايات القرن العشرين والمنطقة تعيش تحولات متلاحقة لكن العقدين الأخيرين شهدا تسارعاً غير مسبوق في وتيرة التغيير رغم وجود موجات من التوترات والصراعات جعلت محاولات الإصلاح والتحديث تواجه عقبات أعاقت تطبيقها في العديد من دول المنطقة.
وقد لعبت السياسة دوراً مهماً في هذا الشأن يصاحبها في ذلك تراجع الدور الاقتصادي بسبب تدخل الأطماع الشخصية مما ساهم في انتشار النزاعات والصراعات والتجاذبات الإقليمية.
فمن الناحية السياسية نجد أن الاستقرار السياسي لا يزال بعيد المنال في كثير من دول المنطقة فالحروب الأهلية في سوريا واليمن والانقسامات في ليبيا والتوترات المستمرة في العراق ولبنان تؤكد هشاشة الأنظمة السياسية أمام الانقسامات الطائفية والعرقية والضغوطات الخارجية كما أن القضية الفلسطينية ما تزال جرحاً مفتوحاً تتجدد آلامه مع كل تصعيد عسكري أو فشل دبلوماسي.
بالإضافة إلى التدخلات الخارجية من قِبَل قوى إقليمية مثل إيران وتركيا وأخرى عالمية كروسيا والولايات المتحدة التي عقّدت المشهد أكثر وحولّت الصراعات المحلية إلى حروب بالوكالة تجعل التحالفات تتبدل حسب المصالح لا المبادئ مما تسبب في جعل الساحة غائمة ولا يمكن توقع مآلاتها بسهولة.
اما من الناحية الاقتصادية فإننا نجد أنه رغم الثروات الطبيعية الهائلة خاصة النفط والغاز ألا أن العديد من دول الشرق الأوسط تعاني من أزمات اقتصادية مزمنة جعلت اقتصاداتها عُرضة للتقلبات العالمية وزاد سوء الأوضاع الاقتصادية الطين بلّة بسبب تغلغل الفساد وضعف البنى التحتية والبطالة المرتفعة خصوصاً بين الشباب ويستثنى من هذا الحال دول كدول الخليج التي تشهد تحوّلات جذرية في رؤاها الاقتصادية مثل “رؤية السعودية 2030” التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط وتنمية القطاعات السياحية والتقنية والصناعية وقد نجحت في هذا المسعى إلى حد كبير.
لقد ظهر بوضوح أن الشرق الأوسط يقف على مفترق طرق إما أن تظل الصراعات تُغذّي بعضها البعض فتغرق المنطقة في مزيد من النار والدمار أو أن تنجح بعض الدول في كسر الحلقات المفرغة من الفشل لتقود موجة جديدة من التنمية والتعايش.
إن المستقبل في يد الشعوب ووعيها وقدرتها على المطالبة بحقوقها وتجاوز الانقسامات المصطنعة التي مزّقت أوصالها ودمّرت أحلامها وشرّدت أفرادها.