كانت العرب في الجاهلية إذا نبغ فيها شاعر تحتفي به , وتقام على شرفه الأفراح والليالي الملاح , ويشارك في الاحتفال الرجال والنساء وحتى الولدان , وكانت للشاعر مكانة كبيرة عند العرب . مع انحسار النفوذ العربي بدأت اللغة العربية تدخل في عصر الانحطاط , خاصة مع تولى العجم حكم العرب مثل الفرس , والمماليك والترك .. إلخ) , وفي القرن التاسع عشر بدأ الروم في حكم البلاد العربية (الاستعمار الغربي) . الأسرة العلوية التي حكمت مصر خلال الفترة من عام (1805م ـ 1952م) , لم يكن فيها أي ملك يتكلم اللغة العربية باستثناء الملك فاروق . قرون طويلة كانت تعيش فيها اللغة العربية في غربة تامة . حلت فيها اللهجات المحلية الشعبية والشعر الشعبي مكان اللغة العربية الفصيحة , بل وخطفت منها الأضواء وما زالت . اللهجات الشعبية تختلف بين القبائل والمناطق داخل الدولة , وبين الدولة والدول المجاورة , بل وتختلف في طريقة الكتابة والنطق ، والسبب في ذلك يعود إلى العزلة التي تعرض لها العالم العربي عن العالم الخارجي لعدة قرون (الدولة العثمانية) , وأيضا كان للدول المحتلة دور كبير في ذلك (الاستعمار) . لا شك أن هذا بدوره قد ألقى بظلاله على المشهد الأدبي والثقافي . حيث لم تعد قصور الحكام والولاة والأمراء وأصحاب الشأن , الوجهة التي يفد إليها الشعراء والأدباء والمثقفين (التكسب) , أما على المستوى الشعبي فقد تراجعت (الذائقة الأدبية) , نتيجة تراجع دور اللغة العربية في حياة الشعوب , ولم يعد أحد يهتم بالأدب بل الاهتمام اصبح منصبا على اللغات , ناهيك عن وجود البدائل الأكثر تأثيرا مثل المسرج والسينما والتلفاز . غالبا ما يتصدر المشهد الثقافي في العالم العربي أشباه وأنصاف المثقفين . يقول عميد الأدب العربي طه حسين : إذا دخلت السياسة إلى الأدب أفسدته . نحن الان نعيش في ثورة المعلومات , الفضائيات , الأنترنت , الرياضة , التقنية .. إلخ (المشاهير) . حيث تطغى فيها الأفعال على الأقوال . نحن في زمن إيقاع العصر فيه سريع جدا , لا احد لديه متسع من الوقت كي يقرأ أو يستمع فيه قصيدة أو قصة أو رواية لا جديد فيها , نحن في زمن المختصر المفيد (التغريدة) . الشعوب تواجه الكثير من المشاكل الحياتية والقضايا المصيرية في الداخل والخارج . العالم يغزو الفضاء ويعيش ثورة الذكاء الاصطناعي , ثم يأتي من يفكر بعقلية القرون الوسطى , تجده يبكي على الأطلال , ويفتخر بالماضي التليد , والتغزل بالمرأة , والمدح والقدح (الهياط) ؟! , الكلام ببلاش مجرد شعر على وزن كلام جرايد يعني أي كلام (تهريج) . قال تعالى : ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون . في العالم بشكل عام والعربي بشكل خاص , يتم طباعة الدواوين الشعرية لكبار الشعراء , ومع ذلك لا تجد المبيعات تتجاوز عشرات النسخ أو حتى المئات فقط (بضاعة مزجاة) . أهم وظيفة للأندية الأدبية هي نشر الثقافة والأدب . قبل ثلاثة عقود وفي رسم كاريكاتيري في إحدى الصحف المحلية , اختزلت فيه حال الأندية الأدبية , حيث ظهر في الرسم نادي أدبي وعدد الحضور لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة وهم يغطون في نوم عميق , ونادي رياضي حيث يمتلىء الملعب في الجماهير (لا تعليق) !! . عند إقامة أي فعالية أدبية أو ثقافية تجدا غالبا عبارات على وزن : كان عدد الحضور ضعيفا , أو حضرت الأعمال ولم تحضر الجماهير ؟! . لا أبالغ إذا قلت أن عدد من يتابع أحد المشاهير على (السوشيال ميديا) , يتجاوز عدد الحضور في الأندية الأدبية طوال العام وبمراحل وسلامتكم . نشر الثقافة والأدب يبدأ من القاعدة (الجماهير) , وليس من القمة (الأندية الأدبية) . في العراق قبل حرب الخليج كان هناك ما يقرب من مليوني شاعر , كانت (ألفية ابن مالك) في النحو منهج مقرر على طلاب المرحلة الثانوية . نشر الأدب والثقافة يبدأ من التعليم (المدارس) حيث القاعدة الجماهيرية وينتهي بالجامعات (الحراك الثقافي) . دور الأندية الآن مجرد(ملتقى) يستعرض فيه الأدباء والشعراء عضلاتهم عفوا مواهبهم , على طريقة سوق عكاظ وغيره في الجاهلية . حتى هذا الدور فشلت فيه الأندية , وسحبت القنوات الفضائية الأدبية ومواقع التواصل الاجتماعي وحتى الرياضي البساط من تحت أقدام الأندية الأدبية . الأندية الأدبية تعاني من الشللية والمحسوبية والصراعات الداخلية ، وهي في وضعها الحالي لا يعدو عن كونها تشكل هدر مالي ولا طائل من ورائه . وأعتقد أن البديل يكون في مؤسسات المجتمع المدني مثل الصالونات الأدبية كما كان الحال في مصر (جيل العمالقة) , الديوانيات (الكويت) , أو المبادرات الشخصية مثل إثينية خوجة (السعودية) , مؤسسة عبدالحميد شومان(الأردن) ، وفي الماضي البعيد صالون ولادة بنت المستكفي (الأندلس) ، وسكينة بنت الحسين (مصر) .
الأندية الأدبية والواقع المرير ؟!


بقلم ـ فوزي محمد الأحمدي

أضواء الوطن
- 07/05/2025
- 10364
شاركها
-
الأهلي يقصي الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلممنذ 3 أسابيع
-
“السماوي”.. يواصل سلسلة الانتصاراتمنذ أسبوعين
-
عبدالله ابومحمد.
النص يُنتقد بهدوء وذكاء التغيرات السطحية في المجتمعات الحديث...
-
عبدالله
الذهب يابى الا ان يكون ذهبا من بعضه ذهبا....
-
اسماعيل محمد
كلام رائع في حق الملك عبد العزيز، ومهما قيل فانه لا يكفيه حق...
-
محمد سحاري
جزيت خيراً دكتور زيد مقالة جميلة كتب الله اجركم...
-
صالحه حمد ان خلف
نشر...
أخبار المجتمع