شهدت مباراة الهلال والأهلي التي أُقيمت مساء الثلاثاء مشاهد مأساوية أثارت كثيرًا من علامات الاستفهام والتعجب، إذ سُجّلت ثماني حالات إغماء وضيق في التنفس بين الجماهير، إلى جانب تدافع حاد نتيجة الزحام الشديد، ما دفع البعض إلى دفع مبالغ طائلة مقابل تذاكر لا توازي قيمتها الحقيقية، فقط من أجل حضور مباراة في كرة القدم.
هذه الحوادث تطرح سؤالًا كبيرًا: هل أدركنا فعلاً معنى “الرياضة” وقيمتها؟ أم أننا لا نزال نجهل قواعد اللعبة ومقاصدها، فننجرُّ وراء الحماس والانفعالات إلى حدٍّ يُفقدنا التوازن الجسدي والنفسي، وربما الأخلاقي أيضًا؟
إن ما حدث لا يمكن تبريره تحت مظلة “حب الفريق” أو “الولاء الرياضي”، فالرياضة وُجدت لتعزز القيم، لا لتهدمها، وهدفها الارتقاء بالجسم والعقل، لا الإضرار بهما. والمؤسف أن هذه التصرفات باتت تتكرر مع كل مواجهة كبرى، وكأننا لم نتعلم من الدروس السابقة، بل إن البعض بات يعتبر الفوضى جزءًا من “ثقافة المدرج”!
ويكفي أن نستحضر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا السياق، فهو القدوة والأسوة الحسنة، صاحب الخلق الرفيع، الذي كان يضبط مشاعره ويُحسن إدارة مواقفه حتى في أشد اللحظات وأقساها. فهل يُعقل أن نغيب عن هذا المنهج ونحن نتنازع على مدرجات كروية؟ أليس الأجدر بنا أن نُحكّم العقل ونتأسى بسلوك الحبيب المصطفى، الذي رُوي عنه أنه ربط ناقة القصواء تواضعًا وتنظيمًا حين دخل مكة فاتحًا، لا افتخارًا أو استعراضًا؟
إن ما جرى يبعث على الاستغراب، بل يستدعي مراجعة شاملة لثقافة التشجيع والتجمهر، ويستلزم تدخّل الجهات الرياضية والتنظيمية لتقنين ما يجري قبل أن يتحول الشغف إلى عبث جماهيري. فالتنظيم، والسلامة، والاحترام، أركان لا غنى عنها في أي نشاط جماهيري، خاصة إذا تعلق بالشباب والنشء.
ويبقى السؤال الأهم:
هل نحن بحاجة إلى إعادة فهم معنى “التشجيع الرياضي”؟
ربما آن الأوان لأن نتجاوز الانفعالات، ونُعيد للرياضة مكانتها التربوية والثقافية التي تستحقها.
⸻
إحصائيات داعمة: “حين تتجاوز الحماسة حدود الوعي”
• الحضور الجماهيري في مباريات الهلال والأهلي (2024–2025): تجاوز 60,000 متفرج في بعض اللقاءات، لا سيما في ملعب الملك فهد الدولي (68,752 مقعدًا).
• الحالات الصحية المسجلة في المباراة الأخيرة: 8 حالات إغماء وضيق تنفس، وفقًا لتقارير إعلامية.
• سعة أبرز الملاعب السعودية:
• استاد الملك فهد الدولي (الرياض): 68,752 متفرجًا
• استاد الأمير عبد الله الفيصل (جدة): 27,000 متفرج
• استاد الجوهرة (جدة): 62,345 متفرجًا
• تجاوزات جماهيرية سابقة (هيئة الرياضة – 2022/2023): أكثر من 45 حالة شغب في مباريات جماهيرية بالدوري.
• أعداد رجال الأمن والمنظمين في المباريات الكبرى: بين 350 إلى 600 عنصر أمني ومنظم، حسب أهمية المباراة.
• الدعم الإسعافي في الملاعب: الهلال الأحمر يوفر 8 فرق إسعافية على الأقل، مع نقاط طبية متنقلة.
⸻
الخاتمة والدعوة التوجيهية:
ما جرى في مباراة الهلال والأهلي لم يكن مجرد حالة انفعالية عابرة، بل ناقوس خطر يدق أبواب الملاعب. إنها رسالة واضحة مفادها أن الحماسة حين تتجاوز حدود الوعي، تصبح خطرًا لا على الفرد فحسب، بل على المجتمع بأسره.
من هنا، نوجّه دعوة صادقة إلى جمهورنا الرياضي الكريم أن يكون جزءًا من الحل، لا من المشكلة.
أن يتحلّى بالرقي والانضباط، ويُدرك أن الرياضة أخلاق قبل أن تكون فوزًا وخسارة.
وربما يكون لارتفاع درجات الحرارة أثرٌ، ولكن هذا لا يُبرّر التجاوز، ولا يجيز الفوضى تحت راية “الانتماء”.
ليكن مدرجنا منبرًا للوعي، لا ساحة للفوضى.
ولنُثبت للعالم أن شغفنا بكرة القدم لا يُغيّب عقولنا… بل ينهض بها
3 تعليقات
لقد لامست الحقيقه ومشاعر الناس وشخصت الوضع القائم ورفض الفوضى واوجدت الحل المناسب فلعل محبي الرياضه ان يتفاعلوا مع تلك الانتقادات ويجعلوا حب الوطن هو الاسمى
لقد لامست الحقيقه ومشاعر الناس وشخصت الوضع القائم ورفض الفوضى واوجدت الحل المناسب فلعل محبي الرياضه ان يتفاعلوا مع تلك الانتقادات ويجعلوا حب الوطن هو الاسمى
مقال جميل شكرا لكم على هذا الطرح