المعايدات القبلية والعائلية من العادات الاجتماعية الأصيلة التي تسهم في تعزيز التواصل والمودة بين أفراد القبيلة أو العائلة الواحدة. فهي تجمع الناس على الخير والمحبة، وتؤكد على قيم الترابط والولاء، وتظهر مدى حرص بعض الرجال المخلصين على استمرارية هذه العادة الكريمة، رغم ما يتكبدونه من جهد وتكاليف.
إن هذه المعايدات ليست مجرد تجمعات عابرة، بل هي لقاءات تزخر بالقيم الأصيلة وتوفر للأجيال فرصة للتعرف على بعضهم البعض، ليظلوا على صلة قوية تمتد بين الأبناء والأحفاد. كما أنها وسيلة فعّالة لتقوية الروابط الأسرية وإحياء الأواصر الاجتماعية، حيث يتعرف الأفراد على أنسابهم وتاريخ أسرتهم، ويتبادلون الأحاديث والمشاعر الودية في أجواء مليئة بالمحبة.
ولا يخفى أن الإسلام حثّنا على صلة الرحم والتآخي، فجاءت هذه المعايدات لتجسد هذه القيم الإسلامية السامية، وتحقق الغاية النبيلة من التواصل والتراحم، حيث يقول الله تعالى في محكم التنزيل: "وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ" [النساء: 1]. كما أن رسول الله ﷺ قال: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" [رواه البخاري ومسلم]. ومن أعظم ما قيل في صلة الرحم: "صلة الرحم جنة في الدنيا وذخر في الآخرة، فهي تجمع القلوب وتلين النفوس وتزيد في البركة والخير".
وعلى النقيض، نجد بعض الأشخاص ممن يعارضون هذه التجمعات بحجج واهية، لا تتعدى التفرقة وإثارة الفتن بين الأهل والأقارب. بل يسعون لتأجيج الخلافات بنقل الكلام وإشعال الفتن، متناسين أن قطع الأرحام وعزل النفس عن الجماعة يضعف الروابط ويمزق النسيج الاجتماعي. وهؤلاء يضيعون بركة هذه التجمعات وفضل صلة الرحم، ويحرمون أنفسهم وأبناءهم من خير كثير.
ومن فوائد هذه المعايدات أنها تعزز روح التعاون والتلاحم، وتجعل العائلة أو القبيلة صفًا واحدًا في السراء والضراء. كما تُربّي الأجيال الجديدة على الاحترام والتقدير، وتعلّمهم أهمية الاجتماع والترابط الاجتماعي. فالإنسان بلا مجتمع أشبه بالجنة بلا ناس، كما يُقال في المثل العامي، فالمحبة واللقاء هما أساس السعادة.
وفي الختام، تبقى المعايدات القبلية والعائلية من أسمى العادات التي ينبغي الحفاظ عليها ودعمها، فهي صلة بين الماضي والحاضر، تجمع القلوب وتشد الأواصر، وتجسد القيم الإسلامية والاجتماعية التي تهدف إلى بناء مجتمع متماسك ومترابط. فلنشكر من يسعون لهذه المبادرات الخيّرة، وندعو الله أن يجزيهم خير الجزاء، وأن يحفظ علينا روابطنا وأُلفتنا، ويبعد عنا كل حاسد ومفرق.