تمثل منطقة مكة المكرمة المنطلق الأصلي للعرب، حيث ارتبطت بأصلهم ارتباطًا وثيقًا منذ أن استوطنها إسماعيل بن إبراهيم – عليهما السلام – بأمر من الله تعالى. فكانت هذه الأرض المباركة مهدًا لنشأة الأمة العربية، ومنبعًا للقيم التي شكلت هويتها عبر العصور. ومع امتداد الأجيال، حملت ذرية إسماعيل راية العروبة، وصولًا إلى خاتم النبيين محمد – صلى الله عليه وسلم – الذي بعث في مكة ليكون رحمة للعالمين، مجسدًا أسمى معاني الأخلاق والقيادة، وموحدًا للقبائل العربية تحت لواء الإسلام.
منذ ذلك الحين، ظلت مكة مركزًا حضاريًا وثقافيًا، ولعبت دورًا محوريًا في تشكيل هوية الأمة الإسلامية. ومع تطور الأحداث التاريخية، كان لأبناء الجزيرة العربية، وفي مقدمتهم القبائل، دور أساسي في بناء الدول واستقرارها، مما جعلهم أحد الركائز التي قامت عليها المملكة العربية السعودية، منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى، مرورًا بالثانية، وصولًا إلى الدولة السعودية الثالثة القائمة اليوم.
إن نشأة المملكة لم تكن مجرد نتيجة لمتغيرات سياسية عابرة، بل جاءت امتدادًا طبيعيًا لمسيرة تاريخية طويلة، تجسد فيها تلاحم الشعب مع قيادته، حيث قامت الدولة على أسس راسخة من الوحدة والولاء والانتماء. وقد أدرك الملك عبد العزيز – طيب الله ثراه – بحكمته أن تحقيق الاستقرار لا يقتصر على القوة العسكرية وحدها، بل يتطلب تأسيس مجتمع متماسك ينهض بمسؤولياته الوطنية. ومن هنا، كان أبناء القبائل العربية العنصر الفاعل في بناء الدولة، حيث أسهموا في حماية أراضيها وترسيخ مبادئها، وشكّلوا جزءًا لا يتجزأ من بنيتها الاجتماعية والسياسية.
هذا الامتداد التاريخي لم يكن محصورًا داخل حدود المملكة، بل انعكس على دول الخليج العربي، التي تعد امتدادًا طبيعيًا للأرض والهوية والثقافة. فالعلاقات التي تربط المملكة بالكويت، والبحرين، وقطر، وعُمان ليست وليدة المصالح السياسية الحديثة، بل هي علاقات متجذرة تعود إلى أصول مشتركة، وروابط أسرية، وتاريخ طويل من التفاعل والتأثير المتبادل. إن التقارب بين شعوب هذه الدول لا يقتصر على تشابه العادات والتقاليد، بل هو انعكاس لهوية موحدة، تعززها اللهجات المتقاربة، والأعراف الاجتماعية المشتركة، والنمط المعيشي المتشابه.
ورغم التحولات الاقتصادية والتطورات الاجتماعية التي شهدتها المنطقة، ظلّت الخصوصية الثقافية لشعوب الخليج العربي حاضرة بقوة، محافظةً على القيم الأصيلة التي شكلت جوهر هويتها. فالكرم، والضيافة، والولاء للأسرة والمجتمع، والاحترام المتبادل، جميعها عناصر متجذرة في الوجدان الجمعي لهذه الشعوب، مما يعكس التلاحم العميق بين مكونات المجتمع الخليجي. كما أن المناسبات الاجتماعية والدينية تبرز هذا الترابط، حيث تتخذ الاحتفالات الوطنية والمواسم الدينية الطابع ذاته في مختلف دول الخليج، ما يؤكد استمرارية الإرث الثقافي المشترك.
ولا يمكن لأي دولة أن تزدهر دون شعبها، فالشعوب هي الأساس الذي تستند عليه الدول في نهضتها واستقرارها. والمملكة العربية السعودية تمثل نموذجًا حيًا لهذه العلاقة التكاملية بين القيادة والشعب، حيث ظل المواطن السعودي، منذ تأسيس الدولة، المحرك الأساسي لمسيرة التنمية، مسخّرًا إمكانياته في مختلف المجالات لخدمة وطنه. والتقدم الاقتصادي، والمشاريع الكبرى، والتطور في مجالات التعليم والصحة، جميعها شواهد على أن التلاحم الوطني لم يكن مجرد شعار، بل هو واقع متجذر في مسيرة الدولة ونهضتها.
وإذا كانت الدول تُبنى على أسس مادية، فإن المجتمعات الحية تُبنى على القيم والمبادئ التي تضمن لها الاستمرارية. والمملكة العربية السعودية، التي انطلقت من أرض الحرمين الشريفين، استطاعت أن توازن بين تطورها المعاصر والمحافظة على هويتها الأصيلة، في نموذج فريد يجمع بين الأصالة والمعاصرة. ومع امتدادها التاريخي والجغرافي، تظل هذه الأرض مركزًا للعروبة والإسلام، وركيزة أساسية في حفظ استقرار المنطقة وتعزيز هويتها. وكما كانت القبائل العربية حجر الأساس في بناء الدولة، فإن أبناءها اليوم يواصلون المسيرة، مستلهمين من ماضيهم العريق دروس العزة والكرامة، ومؤسسين لمستقبل أكثر إشراقًا.