يعد الملك نبوخذ نصر الثاني من من أقوى ملوك الأرض في عصره , وجعل من بابل الإمبراطورية العظمى في عصره , تشد إليها الرحال من كل أنحاء المعمورة . مثل بغداد في العصر العباسي , ولندن في القرن التاسع عشر , ونيويورك في القرن العشرين . وكما هو حال كل حضارة عندما تقترب من نهايتها . البداية تكون بتبديد موارد الدولة على التطاول في العمران , وتشجيع الفنون . الممالك تقام على السيف (ابن خلدون) . هذا ما حصل مع نبوخذ نصر حيث قام ببناء الحدائق المعلقة إرضاء لزوجته , بوابة عشتار , المعابد , النوافير ..إلخ) . وكما حصل من قبل مع الحضارة الفرعونية , من بناء الأهرامات (القبور) والتماثيل العملاقة (الملوك) , والمسلات (تخليد الإنجازات) , وكما حصل مع الصين حيث تم تسخير الشعب لبناء سور الصين العظيم , وقضى حوالي جيلين من الشعب موتا من الجوع والمرض والبرد , هذه المعالم التي يتفاخر بها علماء الآثار , وحتى الدول وبعض الشعوب المغفلة (شوية حجارة) , ويعتبرونها من علامات الرقي والتطور(الحضارة) , ينطبق عليها قوله سبحانه وتعالى : (أتبنون بكل ريع آية تعبثون) , (وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون) , يعني مجرد عبث أطفال مثل (الألعاب النارية) , فهي لا تفيد الناس في دينهم ولا في دنياهم , بل كان لها دور كبير في التعجيل في إفلاس هذه الممالك وانهيارها . وهي الآن مجرد (أطلال) لا تجد من يقف عندها , فما بالك في (البكاء) عليها . في الوقت الذي كان فيه الشعب غارق في الترف , يموت الملك “نبوخذ نصر الثاني” سنة 561 ق.م في ظروف (غامضة) . وخلال ست سنوات يتولى الحكم من بعد ثلاثة من المراهقين , كل واحد منهم كان يتخلص من سلفه (صراع الديكة) , حتى تولى الحكم أخيرا الملك (نبونيد) زوج أبنة نبوخذ نصر , لم يكن من الأسرة المالكة , يعني لا تجري فيه الدماء الملكية , وهذا بدوره كان له تأثير كبير على مستقبل الإمبراطورية البابلية وسقوطها . الأستاذ محمد الناجم من كبار علماء الآثار في المملكة , ويعد المرجع الأول في الآثار الموجودة في محافظة تيماء . أرسل لي فيلم وثائقي جميل جدا عن الملك “نبونيد” آخر ملوك الإمبراطورية البابلية الحديثة . وقد كانت لي بعض الملاحظات والإضافات على ما ورد في الفيلم الوثائقي , الذي استضاف فيه “الناجم” من السعودية وعلماء آثار من العراق وبريطانيا . وكنت على النقيض تماما من الطرح الذي قدموه عن الملك نبونيد , والذي من خلال قراءتي الشخصية لسيرته الذاتية , يصلح أن يكون كاهن في معبد أو عالم آثار مبتدىء , ولا يصلح أن يكون رجل دولة في أي حال من الأحوال . استلم الدولة وهي تعاني من عدم الاستقرار السياسي . يترك الديانة السائدة في الدولة (مردوخ) كبير الآلهة , ويعتنق (إله القمر) , أدى هذا إلى حدوث فجوة كبيرة بينه وبين شعبه , استغلها الأخمينيين الفرس (التحريض) , كما استغل أعداء النجاشي ملك الحبشة اعتناقه للدين الإسلامي وقاموا بثورة ضده كادت ان تطيح به لولا حكمته . أعتقد أن هذا كان له دور كبير في انتقالة من (بابل) مركز الدولة , إلى (واحة) وسط صحراء قاحلة (تيماء) على أطراف الإمبراطورية . كان هذا خطأ سياسي كارثي (الهروب إلى الأمام) . لقد أصبح بعيدا جدا عن مركز صنع القرار في الدولة (بابل), حيث الخزان البشري والثقل الاقتصادي والعسكري والسياسي . في زمن كانت فيه الإتصالات والمواصلات بدائية جدا , وما يحدث في العاصمة لا يصل إلى الملك إلا بعد فوات الأوان . في الوقت الذي كان فيه الفساد والترف ينخر في جسد الإمبراطورية , والفرس يحرضون على الفتنة الطائفية , والطابور الخامس المتمثل في السبي البابلي (اليهود) , يعمل لصالح الفرس (التجسس) , مقابل السماح لهم بالعودة إلى فلسطين وهذا ما حصل . الملك “نبونيد” يا سلام ويا عيني عليه كان مشغول جدا , في التمتع بمناخ تيماء الجميل , وفي بناء وصيانة المعابد ونحت التماثيل لآلهة القمر , وتقديم القرابين لها , والتنقيب عن الآثار , وتشجيع الفنون , وتدوين إنجازاته على الحجارة ، ومطاردة الأرانب وصيد الحمام والغزلان (المقناص) . البعض يقول أن الملك استقر في تيماء بانتظار نبي آخر الزمان محمد صل الله عليه وسلم , وهذا كلام غير صحيح لأن الملك كان وثني , وليس له أي علاقة بالديانات السماوية أصلا , وأيضا جاء من بعده العديد من الأنبياء والرسل مثل عيسى ويحيى وزكريا ..إلخ . ومنهم من يقول أنه ذهب إلى تيماء بسبب مشاكل صحية , وهذا ادعاء ساذج جدا , لأنه لا يمكن لأي ملك عاقل أن يترك بابل حيث تجري الأنهار من تحته , ومفضلا فيها سلامته الشخصية على سلامة دولته (الاستجمام) . ملك بهذه المواصفات لا أستغرب أن تتم هزيمته بسهولة عام 539 ق.م , بعد فترة حكم استمرت طويلا ، تمكن من خلالها الفرس الأخمينيين من التغلغل في كل مفاصل الدولة ، وهو مقيم في أطرافها . ومن ثم قتله من قبل قورش ملك الفرس , أو حتى وضعه تحت الإقامة الجبرية حتى يطويه النسيان (الموت) , كما حصل بالضبط مع الشيخ خزعل آخر ملك لمملكة عربستان العربية , على يد شاه إيران الفارسي رضا بهلوي عام 1936م . السؤال الذي يطرح نفسه هو من كان بصحبة الملك في تيماء , وكم كان عدد افراد الجيش المرافق له , وما تأثير ذلك على اقتصاد تيماء ونموها السكاني والعمراني ودورها السياسي ؟! .
نبونيد الملك الذي أضاع الإمبراطورية البابلية



أضواء الوطن
- 15/03/2025
- 4107
شاركها
-
الأهلي يقصي الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلممنذ 3 أسابيع
-
“السماوي”.. يواصل سلسلة الانتصاراتمنذ أسبوعين
-
عبدالله ابومحمد.
النص يُنتقد بهدوء وذكاء التغيرات السطحية في المجتمعات الحديث...
-
عبدالله
الذهب يابى الا ان يكون ذهبا من بعضه ذهبا....
-
اسماعيل محمد
كلام رائع في حق الملك عبد العزيز، ومهما قيل فانه لا يكفيه حق...
-
محمد سحاري
جزيت خيراً دكتور زيد مقالة جميلة كتب الله اجركم...
-
صالحه حمد ان خلف
نشر...
أخبار المجتمع