الحياة محطات، ولكل منا فيها نصيبه من الفرح والحزن، اللقاء والوداع، ولكن هناك وداعات تترك في القلب جرحًا لا يندمل، ورحيلًا يثقل الروح بالحزن والأسى.
قبل أيام، فقدنا روحًا نقية وإنسانة عظيمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، رحلت عن دنيانا الأستاذة فايزة (أم ريكان)، تلك الأخت العزيزة التي كانت نموذجًا للخلق الرفيع، ومثالًا للعطاء والمحبة، وأمًا مثالية تركت بصمة لا تُمحى في حياة كل من عرفها.
كانت أم ريكان شخصية راقية بكل تفاصيلها، امرأة تحب الخير وتسعى لنشره أينما حلّت. لم تكن مجرد أم حنون أو أخت غالية، بل كانت رمزًا للكرم والتآلف، تحب جمع الناس، وتحرص على أن يكون الجميع بخير وسعادة. في شهر رمضان المبارك، كانت لها بصمة خاصة، إذ اعتادت أن تقسم أدوات الطبخ على المحتاجين، وتحرص على توزيع الأكلات القديمة في ينبع، محافظة بذلك على إرث الأجداد، وناشرةً لمشاعر الحب والدفء في قلوب من حولها.
عرفتها القلوب قبل أن تعرفها الأعين، فقد كانت كريمة النفس، راقية الخُلق، تحمل في داخلها طهارة نادرة، وكأنها جاءت إلى هذه الدنيا فقط لتزرع فيها الخير، وتترك في كل قلب لمسة من الحنان والمحبة. لم تكن مجرد أم، بل كانت مدرسة في الأخلاق والتربية، غرست في أبنائها القيم والمبادئ، وجعلت من الاحترام والتواضع أساسًا لحياتهم، فكانت بحق أمًا عظيمة في حياتها وبعد رحيلها.
كانت أم ريكان كالنور في حياة من حولها، بالكلمة الطيبة، والابتسامة التي لا تفارق محياها، والحب الذي توزعه بلا مقابل. كانت السند والصديقة والأخت التي يلجأ إليها الجميع، تجد في حديثها الحكمة، وفي قلبها الحنان، وفي وجودها الأمان.
اليوم، ونحن نودعها إلى دار البقاء، لا نملك إلا الدعاء لها بقلوب يملؤها الحزن، لكن يملؤها أيضًا الرجاء برحمة الله الواسعة:
اللهم اغفر لها، وارحمها، وعافها، واعفُ عنها، وأكرم نزلها، ووسع مدخلها، واجعل قبرها روضة من رياض الجنة. اللهم تجاوز عنها، وأبدلها دارًا خيرًا من دارها، وأهلًا خيرًا من أهلها، وألهم أهلها وأحبابها الصبر والسلوان.
رحمك الله يا فايزة (أم ريكان)، فقد كنتِ أختًا عزيزة غالية، وإنسانة لا تُنسى، وأمًا مثالية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. لن ننساكِ أبدًا، وستبقى ذكراكِ حيّة في القلوب بالدعاء، وبكل الخير الذي تركتهِ في هذه الدنيا.
إنا لله وإنا إليه راجعون.