الماء عماد الحياة ، قال تعالى : وجعلنا من الماء كل شيء حي . وكالة ناسا في رحلاتها المتكررة إلى الفضاء , تجدها دائما أول شيء تبحث عنه هو الماء أكسير (الحياة) وليس المعادن النفيسة . في المقابل لا يمكن أن نتصور أن عدد السدود في المملكة والتي يبلغ تعدادها الـ (400) سد , والسعة التخزينية لها لا تتجاوز (2,445,854,438) متر مكعب . بينما الكميات الفعلية المخزنة أقل من ذلك بكثير . وباستثناء عدد قليل منها لا يتجاوز أصابع اليد ذات طاقة تخزينية كبيرة , تجد البقية طاقتها التخزينية محدودة أو لا تكاد تذكر . وغالبا ما تجف أو تتبخر قبل انتهاء الموسم الزراعي , نظرا لعدم وجود مصادر ثابتة للمياه تقوم بتغذية السدود مثل الأنهار والينابيع . بل أن الكميات المتوفرة في السدود لا تكفي لتأمين احتياجات السكان من مياه الشرب . فما بالك في تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية . ناهيك عن أن هذا العدد من السدود لا يتناسب مع حجم مساحة المملكة التي تعادل مساحة قارة . وفي بلد يتسم بتنوع التضاريس التي تسمح في إقامة السدود فيه الكثير من المناطق . الماء هو (الدينمو) الذي يحرك الاقتصاد , ويعتمد عليه في الزراعة والصناعة والشرب , ولا يخضع إطلاقا لمبدأ الربح والخسارة (التكلفة) مثله مثل الأمن والدفاع . من لا يملك قوته لا يمكن أن يملك قراره . لقد رأينا فيي جائحة كورنا كيف توقفت سلاسل التوريد وبالذات الغذاء ، وكيف كان العالم على حافة المجاعة ، وما ترتب على ذلك من ابتزاز سياسي من بعض الدول ، بل قام البعض منها باعتراض السفن التجارية في أعالي البحار والاستيلاء عليها ، والكل لسان حاله يقول نفسي نفسي ؟! . نقص المياه يعني شلل شبه تام في القطاع الزراعي والصناعي وان نكون تحت رحمة الغير . وفي نفس الوقت لا نريد أن نكون كبعض الدول المجاورة حيث تجري فيها الأنهار , ومع ذلك بالكاد تصل المياه إلى المنازل مرة واحدة في الإسبوع , والقطاع الزراعي فيها غالبا ما يسقي من مياه (الصرف الصحي) غير المعالجة . العديد من الدراسات تؤكد أن جيزان أصبحت أقرب إلى المناخ الإستوائي , وبالتالي زيادة كمية الأمطار المتساقطة ، وهذا يمكن أن يجعلها سلة غذاء المملكة ومصدر رئيسي للفواكه والنباتات الإستوائية . وهذا بدوره يتطلب إقامة العديد من السدود العملاقة ، وبالذات منطقة الدرع العربي مثل : مكة المكرمة والباحة وعسير والمدينة المنورة والقصيم وتبوك وأيضا الجوف والقريات والحدود الشمالية .. إلخ . المناخ العالمي بدأ يتغير الأن وهذا ليس موضع شك , ورأينا في المملكة كيف أن كميات الأمطار التي تتساقط في المرة الواحدة , أحيانا تعادل أو تزيد عن كمية الأمطار التي تتساقط طوال العام (المعدل السنوي) . الأعاصير بدأت تقترب من المملكة شيئا فشيئا , فبعد أن كانت تضرب أجزاء من الدول المجاورة نجدها بدأت تتمدد كل عام , حتى وصلت أخيرا إلى أراضي المملكة وبكميات هائلة (الربع الخالي) . رأينا الثلوج تتساقط في بعض دول الخليج مثل السعودية والكويت , بل وجدنا العديد من المدن في دول الخليج العربي تغرق في شبر ماء . وهذا يدفعنا نحو انتهاز الفرصة ونسابق الزمن في التوسع في بناء السدود , بل وتوسعة الطاقة التخزينية للسدود القائمة . بدلا من أن تذهب المياه هدرا في البحار أو الصحاري دون الاستفادة منها . النظرة إلى السدود في المملكة ما زالت محدودة للغاية , وتتمثل في كون السدود مجرد جدار من الخرسانة أو أكوام من الأتربة والحجارة لحجز المياه , ومن أجل استخدامها في الري والشرب فقط . السدود بمعناها الواسع تقوم عليها اقتصاديات العديد من الدول . رغم التكاليف الباهظة في إنشائها , إلأ أنها على أرض الواقع تعد استثمار في (المستقبل) , بدءاً من تعزيز الأمن المائي الذي يؤدي بدوره إلى تحقيق الأمن الغذائي ، من خلال الاكتفاء الذاتي في الكثير من المحاصيل الزراعية ، إلى تربية الأسماك وبالذات البلطي السريع النمو ، وإلى إقامة المناحل (العسل) ، وتوفير المواد الأولية للعديد من الصناعات المحلية مثل الصناعات الغذائية والعقاقير ومواد التجميل والمنظفات والعطور , وتغذية المياه الجوفية , وفي توليد الطاقة الكهربائية , والسياحة , وفي التنوع الفطري (البيئة) , وفي توسيع الغطاء العشبي والشجري (السعودية الخضراء) , وما يترتب عليه من وفرة في الأعلاف وبالتالي نمو الثروة الحيوانية (البيضاء والحمراء) ، وأيضا تساهم السدود والتباتات في تلطيف الأجواء . حتى الطمي والرواسب التي تتراكم في احواض السدود يمكن الاستفادة منها كسماد طبيعي للأراضي الزراعية ، أو في أعمال البناء . وهذا بدوره سوف يؤدي إلى خلق الكثير من الوظائف ، وتوفير الكثير من فرص العمل ، والعملات الصعبة ، وهذا سوف يشكل في النهاية قيمة مضافة ورافعة للاقتصاد الوطني (الدخل) . إن مضاعفة عدد السدود لن يكف لحل مشكلة العجز المائي في المملكة اعتمادا على مياه الأمطار , ما لم يتم تأمين مصادر بديلة ودائمة لتغذية السدود طوال العام . في المقال القادم سوف نتطرق إلى المصدر الأول وهو مياه الصرف الصحي المعالجة ودورها في تغذية السدود كمصدر ثابت طوال العام , وكيفية الاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال . أخيرا : معالي وزير البيئة والري والزراعة المهندس عبدالرحمن الفضلي يملك خلفية علمية وخبرات تراكمية في مجال الزراعة والصناعات الغذائية ، وفي جعبته الشيء الكثير الذي يمكن ان يقدمه من خلال الوزارة .
التعليقات 2
2 pings
بشير الرشيدي
26/02/2025 في 8:28 م[3] رابط التعليق
قراءة جميلة للكاتب المتألق فوزي ..نعم كم نحن بحاجة إلى هذه المقالات التي تسهم في دفع عجلة النمو والاكتفاء الذاتي من المياه والمنتجات الزراعية .السدود جزء من عصب الحياة لاهميتها في دفع مخزون المياه إلى بر الأمان .نتطلع أن نتجاوز 10.000 سد على أودية مملكتنا الغالية السعودية الخضراء تواكباً مع الرؤية المباركة 2030.
رشيد البلوي
26/02/2025 في 9:09 م[3] رابط التعليق
وفقك الله كاتب مبدع صاحب قلم مميز في طرحه