في واقع حياتنا في العلاقات الاجتماعية، قد نرتكب خطأً فادحاً في إعطاء الأشخاص فوق أحجامهم الطبيعية بدافع المجاملة لهم، أو لأي سبب من الود والاحترام والتقدير وغيره، ولكن بالمقابل ستكون أنت ضحية لهذا الإنسان الذي منحته صفه أو مكانة لايستحقها، فلربما ينظر إليك فيما بعد بالدونية ويضعك في غير مكانك الحقيقي، لأنك أنت من وضعته في غير مكانه فكانت هذه نتيجة طبيعية ، فعليك حينها أن تدفع ثمن خطيئتك بتحمل تبعات ذلك.
فالتوازن مطلب حقيقي في الطبيعة البشرية، بل حتى في الكون لأن الكون عبارة عن حلقات متماسك، لاتتقدم حلقة على أختها لتكون الحياة متماسكة مستقرة وعلى طبيعتها، ولأن لكل حلقة دور أساسي في هذا الكون فهي مترابطة ولا يعلو شيئاً منها على الحلقة التي قبلها، فمن باب أولى أن تكون العلاقات الطبيعة بين البشر متوازنة في علاقاتها، ليقوم كل إنسان بدوره و على طبيعته وتجانسه، دون إخلال أو تجاوز بالاستعلاء والكبرياء، فيصاب بالغرور لأنه في المكان الخطأ.
فالإنسان الذي يعتاد على الاحترام والتقدير الأكثر من اللازم فإنه حتماً سينظر للآخر بأنه أقل شأناً منه، فيعتاد على هذا الشيء ولن يقبل بغير ذلك مستقبلا، بل يرى في تقديرك للآخرين انتقاصاً لشأنه هو، مما يجعله يراك بعين التبعية له حيث لا يحق لك في نظره أن تتعامل معه بغير تلك الطريقة، من التقدير المميز عن غيره.
فالاعتدال في الاحترام والتقدير والمحبة والود يحفظ لك قيمتك وإنسانيتك وكرامتك ومكانتك، لأنك تتعامل معهم، بصفتهم ومكانتهم بتوازن وعقلانية دون تفضيلهم على نفسك ولا على الآخر، مهما كان شأنهم، نعم للاحترام نعم للتقدير ولكن لا وألف لا، للتبعية والاستنقاص من مكانتك، لأجل إنسان آخر، فلقد كرمك الله فاحفظ مكانتك، وتعامل مع الآخرين بقدرهم الحقيقي، دون غلو أو تبعية، حتى لا يرونك تابعاً خانعاً ذليلاً، خُلقت لهم ولخدمتهم فمن ثقتك بنفسك تضع للآخرين حدوداً لا يتجاوزها كائناً من كان، وتعرف لك مكانتك وقدرك، ولا تسمح للآخرين بالعبث بها أو التقليل من قيمتك أو هيبتك، فانظر أين تضع نفسك، ومن بعدك من أولادك، فلا تترك لهم أثراً يجعلهم في مكان الاحتقار والإزدراء من الآخرين فعلى الجميع أن يعلم، بذلك وإن تعاملك معهم برفق وتواضع من شيمتك و أخلاقك، وليس من علو شأنهم دون شأنك، ولك حق الرفض أو القبول بكل حرية وهذا من إثبات وجودك وحضورك.
فللآخرين حق حفظ مكانتهم وقدرهم، وهذه هي العلاقة الإيجابية المعتدلة، والتي يُفترض فيها المثل بالمثل، فلا تعطي أحداً فوق حجمه حتى لا يضعك في أقل من حجمك، وينظر لك بالنظرة الدونية، فالتوازن والاعتدال مطلب لحفظ المكانة والقيمة للكل والجميع دون انتقاص لأحد.
بقلم : عائض الشعلاني.