منذ نشأة المملكة العربية السعودية، كان موقفها تجاه القضايا العربية واضحًا وثابتًا، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي تعدّ من أولويات سياستها الخارجية. لم يكن هذا الموقف وليد اللحظة، بل هو امتداد لنهجٍ راسخ تبنّاه المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود – طيّب الله ثراه – واستمر عليه أبناؤه من بعده، إيمانًا بعدالة القضية الفلسطينية، ورفضًا للاحتلال الصهيوني الغاشم وممارساته الوحشية بحق الشعب الفلسطيني.
لقد أدرك الملك عبد العزيز – منذ بدايات المشروع الصهيوني – خطورة ما يُحاك ضد فلسطين وأهلها، وأعلن موقفه بكل وضوح، إذ قال في إحدى رسائله: “لا أستطيع أن أوافق على أن يُعطى اليهود وطنًا في فلسطين، فهي بلد العرب وملك للمسلمين، ولا يمكنني أن أقرّهم على ذلك أبدًا.” هذا الموقف لم يكن مجرد تصريح عابر، بل كان حجر الأساس في السياسة السعودية الداعمة للقضية الفلسطينية سياسيًا ودبلوماسيًا واقتصاديًا، حيث قدّمت المملكة الدعم المادي والمعنوي للقضية على كافة الأصعدة، واستمرت في هذا النهج الثابت عبر الأجيال.
واصل أبناء الملك عبد العزيز ذات النهج، فكان دعم المملكة لفلسطين حاضرًا في كل المحافل الدولية، من الأمم المتحدة إلى القمم العربية والإسلامية، حيث تبنّت السعودية مواقف حازمة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وطالبت بإنهاء معاناة الفلسطينيين، وحقهم المشروع في إقامة دولتهم المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. كما دعمت المملكة كافة المبادرات السياسية التي تهدف إلى تحقيق سلام عادل وشامل، شريطة أن يضمن حقوق الفلسطينيين كاملة، وفق قرارات الشرعية الدولية.
إلا أن الاحتلال الإسرائيلي لم يكتفِ بممارساته الوحشية ضد الشعب الفلسطيني، بل استمر في استفزاز المملكة والدول العربية والإسلامية، في محاولاتٍ مكشوفة لزعزعة الاستقرار وإشعال الأزمات. وهذه الاستفزازات ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى عقود طويلة، حيث دأب الكيان الصهيوني على انتهاك المقدسات الإسلامية، والتمادي في سياسات التوسع والاستيطان، ورفضه لأي حلولٍ عادلة تنهي الصراع. كما لم تتوقف محاولاته لضرب وحدة الصف العربي، وإثارة الفتن داخل المجتمعات الإسلامية، في إطار سعيه لإضعاف أي قوة تقف في وجه مشاريعه الاستيطانية التوسعية.
إن ما تمارسه إسرائيل اليوم من عدوان سافر على الفلسطينيين، وما تقوم به من مجازر وحشية بحق الأبرياء، يشكّل استمرارًا لسياسة الاحتلال القائمة على القتل والتهجير والقمع، وسط صمت دولي وعجز أممي عن اتخاذ قرارات حازمة تُنهي هذه المأساة الإنسانية المستمرة منذ أكثر من سبعة عقود. ورغم كل ذلك، فإن المملكة العربية السعودية لم تتوانَ يومًا عن الوقوف بجانب الشعب الفلسطيني، سياسيًا وإنسانيًا، ودعم قضيته العادلة في كل المنابر والمحافل الدولية، مؤكدةً أن السلام لا يمكن أن يتحقق إلا بإعادة الحقوق إلى أصحابها، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة.
إن القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية سياسية بالنسبة للمملكة، بل هي قضية إسلامية وعربية عادلة، تتعلق بالمبادئ والثوابت التي لن تتغير. ولذلك، فإن دعم المملكة لفلسطين لم يكن محصورًا في الدعم السياسي فقط، بل تعدّاه إلى تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية للشعب الفلسطيني، من خلال مؤسساتها الرسمية، في مقدمتها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، الذي يواصل تقديم العون للفلسطينيين، وخاصة في ظل الحصار الجائر الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة، والظروف القاسية التي يعيشها أبناء فلسطين تحت الاحتلال.
اليوم، وفي ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي في ممارسة القتل والتهجير بحق الشعب الفلسطيني، تؤكد المملكة العربية السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله – التزامها بالدفاع عن القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، واستمرار دعمها السياسي والاقتصادي للشعب الفلسطيني حتى نيل حقوقه المشروعة.
إن مواقف المملكة الثابتة تجاه فلسطين ليست مجرد شعارات، بل هي مواقف عملية راسخة أثبتها التاريخ، وستبقى السعودية على عهدها مع فلسطين حتى تتحقق العدالة، ويعود الحق إلى أصحابه. فهذا الموقف لم يكن يومًا موضع مساومة أو تراجع، بل هو التزام أخلاقي وسياسي وديني لا تحيد عنه المملكة، وسيظل الشعب الفلسطيني يحظى بكل الدعم السعودي حتى تتحقق تطلعاته المشروعة في نيل الحرية والاستقلال، وإنهاء الاحتلال الذي طال أمده.
تعليق واحد
كلمة تحكي الحفيقة