مهما وقفت أمامك التَّحدِّيات وضعف ظهرك وشدّ عليك الكرب وتراكمت عليك الهموم، أعلم أنَّ اللَّه لن يخذلك واعلم أنَّ الحياة لا تسوَّى عند اللَّه جناح بعوضة وأنَّ لله الأمر من قبل ومن بعد لذلك لا تحزن ولا تيأس. فقط انتظر فرج اللَّه بيقين أنَّ المدبِّر هو اللَّه والقادر هو اللَّه وان بيده مفاتيح كلِّ شيّ جلَّ وعلا.
ولا تجعل الشَّيطان يدخل عليك ويكوِّن مع النَّفس الأمَّارة بالسُّوء ضدَّك وضدَّ طموحاتك وتيقَّن أنَّ اللَّه ما أخَّر عنك شيئًا إلى لحكمة سبحانه.
وتذكَّر (وبشِّر الصَّابرين) ومن هذه الآية أقول لك ابشر باليسر بعد العسر وابشر بالفرج وأعلم أنَّك مأجور حتَّى على الشَّوكة الَّتي تشتاكها واعلم أنَّ فرج اللَّه آتي لا محالةً.
كذلك تذكُّر قول اللَّه تعالى في محكم التَّنزيل (فإنَّ مع العسر يسرًا إنَّ مع العسر يسرًا) أخبر تعالى أن مع العسر يوجد اليسر، ثمَّ أكَّد هذا الخبر.
أيضًا تأكيدًا وجزمًا لو أطلعك اللَّه على الغيب لا اخترت ما كتب اللَّه لك فهو ارحم بك من أمِّك وأبيك.
ولنا في سيرة المصطفى خير دليل عن الصَّبر والفرج ضاقت مكَّة على رسول اللَّه ﷺبعد إيذاء أهلها لها، فشرع في الذَّهاب إلى الطَّائف علَّه يجد من ينصره هناك من قبيلة ثقيف، وكان ذلك في شهر شوَّال من السَّنة العاشرة للبعثة، واصطحب معه مولاه زيد بن حارثة- رضي اللَّه عنه- ، ولمَّا وصل ﷺإلى الطَّائف أخذ يدعوهم إلى الإسلام وإلى دعوة الحقِّ، فلم ينل منهم سوى التَّكذيب والإنكار. [1] لم يكف أهل الطَّائف استهزائهم برسول اللَّه- صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- وتكذيبهم له، بل قلبوا عليه قومهم فجعلوا يرمونه بالحجارة حتَّى أصابوا قدماه، فتلطَّخ حذاءه بالدِّماء، وجعل مولاه زيد يدفع عنه أذاهم حتَّى شجَّ رأسه، فتوجَّها إلى سور بستان لشيبة وعتبة ابنًا ربيعة يحتمون به، فكره رسول اللَّه- صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- أن يلبث هناك لعداوتهم له؛ فكانوا ينظرون إليه وكأنَّما يتلذَّذون بما حصل له من إيذاء من أهل الطَّائف. بعدما اشتدَّ أذى أهل الطَّائف على رسول اللَّه- صلَّى اللَّه عليهم وسلَّم- رفع يديه ودعا بهذا الدُّعاء: (اللَّهمَّ إليك أشكو ضعف قوَّتي، وقلَّة حيلتي، وهواني على النَّاس، يا أرحم الرَّاحمين، أنت ربُّ المستضعفين، وأنت ربِّي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجَّهمني، أو إلى عدوّ ملكته أمري؟ ! إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، غير أنَّ عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الَّذي أشرقت له الظُّلمات، وصلح عليه أمر الدُّنيا والآخرة، أن يحلَّ علي غضبك، أو أن ينزل بي سخطك، لك العتبى حتَّى ترضى، ولا حول ولا قوَّةً إلَّا بك) [2] بعد ذلك بزمن فتح اللَّه على رسوله ﷺوانتشر الإسلام في كلِّ بقاع الأرض. وبلغ الإسلام مبلغًا ولكنَّ كلَّ هذا أتى بعد صبر وكفاح طويل وإخلاص النِّيَّة للَّه سبحانه وتعالى. وطريق النَّجاح ليس متعبًا ولكنَّ الصَّبر والإخلاص عنوانه .
فرج اللَّه علينا وعليكم...