بالرغم من أن مفهوم جودة الحياة كان معروفاً منذ القدم، غير أنه لم يظهر كمصطلح ويُؤخذ به على نطاق أوسع إلا في الآونة الأخيرة، وهو يعني بحسب رأي المختصين والمهتمين في مجاله، شعور الفرد بمستوى عالٍ من الراحة والرضا والانسجام في مُجمل حياته المعيشية، فيما عرفته منظمة الصحة العالمية بأنه تصور الفرد لموقفه في الحياة في سياق ثقافته وأنظمته القيمية وكل ما يتعلق بأهدافه وتوقعاته ومعاييره ومخاوفه، أما جيل الزمن الجميل، فيرون جودة الحياة يكمن في البساطة والقناعة والتواضع والتعاون والترابط الاجتماعي الذي عاشوه بعيداً عن الصخب والضجيج والضغوط النفسية والتي تولدت وبشكل صارخ من خلال استخدام الإنسان للتكنولوجيا والتقنية الحديثة في مختلف مجالات الحياو دونما توقف فانبثقت من جرائها الأمراض النفسية، مما دفع بحكومات كثيرة إلى إنشاء مُستشفيات متخصصة لم تكن موجودة أصلاً في عهود قديمة، لمعالجة من أصيبوا بهذه الأمراض، وغيرها من الأمراض الجسدية الناجمة عن التكاسل والخمول والاتكالية بدلاً من الحركة الدؤبة وممارسة الأنشطة بصورة مستمرة، والتي أجمع أطباء ومفكرون على أنها ضريبة العصر، ولذلك لا غرابة حينما يذهب الكثير من جيل الزمن الجميل، وغيرهم من جيل الحاضر للبراري، والمنتجعات أو المنتزهات لأجل كسر حاجز روتين حياتهم اليومية المملة والترويح عن النفس والاستمتاع بما يكسوها من خضرة وبما يتواجد بين جنباتها من تشكيلات تراثية وموروثات شعبية تذكرهم بعبق الماضي وأصالته، أو السفر لبلدان أخرى لنفس الغرض أثناء اجازاتهم الأسبوعية أو السنوية، وهو ما نعتبره الخيار الأسلم لتحقيق التوازن في مجمل الحياة المعاصرة، أما أنجع السبل وأيسرها للنيل من هذه الجودة في اطارها الحقيقي فتتمثل في المداومة على ( الذكر والدعاء والاستغفار والتضرع والانابة والثقة والتوكل على الله في كل مناحي الحياة مهما صعبت ) لما فيها من راحة تامة وطمأنينة وانشراح صدر وسعادة لا حدود لها، عوضاً عن القناعة والاتزان العاطفي والتغذية السليمة والسلامة من الأمراض والنشاط الحركي والتفاؤل المستقبلي وحسن التدبير وبناء العلاقات الطيبة مع الآخرين والاحساس بعظم المسؤولية والقدرة على التكيف مع متغيرات الحياة وتحدياتها، وعلى الحرية المنضبطة والسعي الحثيث لكسب الرزق الحلال لسد الاحتياجات الضرورية وتناسي آلام الماضي ومُحزناته وعدم الانشغال بالأوهام والتخيلات في اطار من الأمن والاستقرار والقيم النبيلة والعدالة الاجتماعية والأنظمة والقوانين التي تكفل حقوق الجميع، مُعتبرين قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم( مَنْ أَصبح مِنكُمْ آمِنًا في سِرْبِهِ، مُعَافًى في جَسدِه، عِندهُ قُوتُ يَومِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحذافِيرِها) الجوهر الحقيقي لجودة هذه الحياة في أبسط معانيها، ولطالما الإنسان خُلق في كبد بنص القرآن الكريم، وأن حياة الدنيا دار ابتلاء واختبار فأن عموم البشر لن يسلموا من المتاعب، والصراعات والحروب، والتي كلما عظمت عظم أجرها، كما في الحديث قوله ﷺ: إِنَّ عِظَمَ الْجزاءِ مَعَ عِظَمِ الْبلاءِ، وإِنَّ اللَّه تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ قَوماً ابتلاهُمْ، ولذلك ينبغي على كل مُسلم ألاّ ينخدع بظواهر الحياة وزينتها، وفي القرآن الكريم مائة وخمسة عشرة آية تصف هذه الحياة بأنها قصيرة ومحدودة النعم وفانية لا مُحال مقارنة بحياة الآخرة الباقية كما في قوله تعالى (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا)وقوله أيضاً(بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا*وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ) متمنين ألاّ يُفهم مما اوردناه هنا بأننا ضد التطور الذي يُهيئ للبشرية ما تتوق إليه نفوسهم مما ذكرناه آنفاً، وإنما جئنا بذلك للتأكيد على أنه من فلاح الإنسان ونجاته من عذاب الآخرة، ألاّ يجعل الدنيا أكبر همه ولا مبلغ علمه ولا إلى النار مصيرة، امتثالاً لقوله تعالى( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) فالحياة لا شك أنها حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، ولكن العاقِلُ من يُعايشها باتزان ويتَزوَّدَ منها لآخرته ما يُقربه إلى الله زلفى وحسن مآب، قال الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما رأى رجالاً يتوسدون رمال الصحراء ويتسلقون الجبال بحثاً عن المرعى الخصيب وينامون في العراء لحماية أبلهم ( اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم ) ومن يتعمق في سيرة الأنبياء والرسل عليهم السلام بما فيهم نيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم يجدها لا تخلوا من متاعب جسيمة، سعياً وراء كسب لقمة العيش من ناحية ولأجل أعلاء كلمة التوحيد ونشر دين الله الإسلام في ربوع البلدان التي حطت أقدامهم فيها من ناحية أخرى، فهل همُ بهذه التجليات العظيمة بمنأى عن جودة الحياة!!؟ بالكاد لا ، بينما في عالمنا اليوم مجتمعات قد وصلت إلى أرقى مستويات التقدم الحضاري في كل المجالات الحياتية، وبمساعدة ما يملكونه من تقنيات حديثة ومتطورة، غير أنها لا تزال عاجزة عن تحقيق الجودة بمفهومها الحقيقي، لما تُعايشه من انحطاط فكري وأخلاقي وسلوكي منقطع النظير، كما أوضحته تقارير ودراسات صادرة عن جهات ذات علاقة عبر مواقع في الشبكة العنكوبوتية، كالانغماس بالشهوات والملذات وشرب المسكرات وتعاطي المخدرات والتعري واغتصاب النساء، وزواج المثلين والذي يتعارض مع الفطرة الالاهية، ويحط من الكرامة الإنسانية، وشتان أيضاً بين أسر تعيش داخل قصور فارهة وفيها من الإمكانات والخدمات، وما لذ وطاب من المأكولات والمشروبات، بينما أفرادها على غير وفاق تام، لتجدد المشاكل فيما بينهم من حين لآخر، وأسر تعيش في بيوت متواضعة أو خيمة وتسودها المودة والرضا والراحة النفسية، وبالتالي. أما يُعد هذا الفارق معياراً حقيقياً لجودة الحياة ؟!
----------
بقلم المفكر، والكاتب الصحفي/ عبد الفتاح أحمد الريس.
- الرئيس الفرنسي يغادر الرياض وفي مقدمة مودعيه نائب أمير المنطقة
- قائمة الـ8 عصائر.. تنظّم مستويات السكر بالدم
- “الإحصاء” تكشف إحصاءات الرعاية الصحية في المملكة لعام 2024
- “حساب المواطن”: المقصود بعائلة فاقد الأهلية هم أسرة مَن به جنونٌ أو قصورٌ عقلي
- وردة الطائف.. علامة ثقافية تعبُر الحدود إلى قائمة اليونيسكو
- «ميتا» تعترف: وقعنا في خطأ «حذف المحتوى»
- ترويج مواد مخدّرة وتهديد في محتوى متداول.. الجناة في قبضة “رجال الأمن”
- ولي العهد يطلق الإستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر
- طقس المملكة الأربعاء.. أمطار رعدية ورياح نشطة على عدة مناطق
- هيئة الصحفيين بحفرالباطن تُنظِّم ورشة عمل “عن بُعد”
- محافظ رنية يلتقي مدير عام صحة الطائف لمناقشة تحسين الخدمات الصحية
- “العناية بشؤون الحرمين”: هذه هي مواعيد دخول الروضة الشريفة بالمسجد النبوي “للرجال والنساء”
- بلدية رنية تواصل أعمال إزالة الرمال الزاحفة على طريق الحفائر
- «الموارد البشرية» تمنح 60 يوماً إضافية لتصحيح أوضاع العمالة المهنيّة المتغيبة
- ولي العهد: المملكة تستعد لاستضافة المنتدى العالمي للمياه لعام 2027
عبد الفتاح أحمد الريس
جودة الحياة تكمن في بساطتها
30/11/2024 11:44 ص
عبد الفتاح أحمد الريس
0
260101
(0)(0)
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.adwaalwatan.com/articles/3623643/