اتمام الجزء الأول سته على سته - ١٠٠ - الجزء الثاني .
الأم وأسرتها تتنقل بين الشماسية والنير والسر في ربوع عالية نجد العذية من جميع الاتجاهات والنواحي من أقصاه شمالاً لأقصاه جنوباً ، ومن أقصاه شرقاً لأقصاه غرباً في حدود عالية نجد العذية . تتبع المراعي الكلا ومساقط الماء ، وما تجود به السماء على البيداء من امطار ، واستجابة البيداء بإنبات الكلا . مخضرة العشب ، ومتفتحة الازهار . مصداقً لقوله تعالى الآية المدنية/ ٥ سورة الحج: ( .. وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء أهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ) وفي سورة فصلت الآية المكيّة قوله تعالى ( .. ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء أهتزت وربت .. ) آية/ ٣٩ وفي سورة الحج ايضاً قوله تعالى: ( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير ) آية/ ٦٣ . اينما وجد الكلا والماء وجدوا . تشم عبق الخزامى كل ماهب نسناس نسيم الهواء يدغدغ الخياشيم بأجود وأطيب العبق .
ذات يوم ، والأم وزوجها في تنقلهم قاطعين وادي الرشاء نحو النير . أبصرت الأم طفلة تحت ظل سرحة ، وحولها قطيع غنم أقل من النصاب ترقبها . تبعد عنهم أقل من خمسمائة متراً أو أنقص قليلاً ، فقالت الأم لزوجها: ان عيني اكلتني من هذه الطفلة ، ولعلها صغيرتي " طفله " ، والقلب دق ، يخفق خفقاناً ، وقلب الأم دليلها . توقفت مركبتهم بجانب الطريق ، وترجلت الأم نزولاً نحو الصبية فسألتها عن أسمها فقالت: طفلة فاحتضنتها الأم ، فقال زوجها لمن معه: لزمنا المقيال ، ووجب المكوث . دبروا الغداء ، وذهب بمركبته للدوادمي واشترى لأبنتها كسوة وبعض الحلي ثم عاد ، واعطى زوجته الكسوة والحلى تدفعه لأبنتها ثم سلم على بنتاخيه الطفلة الصغيرة ، ورجع مقفي لمقر توقفه وإقامته . يستأنف تبادل الحديث مع رفاقه رفقاء الطرقة والتنقل .
ما زالت الأم مع صغيرتها يتبادلان القبلة ، والحديث والاحتضان . تنشد الأم صغيرتها عن أحوالها وصحتها ، وأكلها وشربها ، ونومها ، ولبسها وسكنها .
أشرف قرص الشمس على المغيب ، زوجها ينادي عليها من بعد العصر حيناً بعد حين ، والأم ما زالت عند صغيرتها . طووا أغراضهم وعزبتهم ، ووضعوها بالمركبة ، ويصوتوا للأم ، والأم تمشي إليهم بخطى متثاقلة ، وتقف هويناً وهيناً وأبنتها ترقبها وكلاً منهما يتردد على الاخر ، ويحتضن كلاً منهما الاخر الأم وأبنتها ، وركبت الأم المركبه ، وأثناء سير المركبة كلاً من الأم وابنتها يرقب بعضهما بعض حتى توارت المركبة عن الأبنة وأمها ، والأم عن أبنتها .
عادت الأبنة وقطيع الغنم لدار ابيها ، وقد خالط خيوط الليل ، وشتد سواده محبوره بلقاء أمها ، ومسرورة بعطاء أمها الكسوة والحلي وما ان علم بذلك أبيها أشتط غضباً ، وحذف الكسوة والحلى وأمر بالترحال لموقع أخر مغبة نزلاء قريباً منهم أو حولهم إلا ان عمتها زوجة ابيها أخذت الكسوة والحلى صبيحة ترحالهم ، وأدخرتها للابنة فيما بعد دون علم أبيها .
مرت الأيام وانصرمت لياليها ، فالأم وأولادها ، وأسرتها ارتحلوا للكويت ، واستقروا بها . الأم رزقت بسته من الأولاد من الزوج الثاني . أربعة ذكور ، وبنتين إناث بخلاف البنت الأولى " طفله " من طليقها الأول . أصبح أبناءها من وجهاء الكويت ، وفتح الله عليهم من فضله ، ولهم ذكر غير خامل بالمجتمع الكويتي . أنكحت ابنتيها إحداها نكحت ابن عم لها بعنيزه - القصيم - والاخرى أبن خالتها بالعاصمة المقدسة مكة المكرمة عام ١٤٠٢ ، وأصبحت الأم ملكة متوجة مطاعة بين الأبناء والأحفاد . تعيش عيش السعداء والمترفين . الأمرة والناهية في حلتها ، وبين ظهري أولادها ، وأنجالهم والأحفاد . أسرة ممتدة يعيشون سوياً تحفهم بركات الله بالخير الوفير .
بعدت المسافة وشقت بين الأم وأبنتها الأولى وانقطعت الزيارة بينهما ، فالأم بالكويت كويت السعداء والارتزاق " لا عيش إلا عيش الكويت " نعت عرفت به الكويت في عصور المجاعة وشح الموارد ، وابنتها في عالية نجد العذية عام ١٣٨٦ استقرت مع زوجها مكةالمكرمة .
الأب للابنة الأولى " طفلة " فوجيء بوفاة ابنائه الثلاثة بالحصبة الألمانية التي صابة أولاد نجد في ذلك الزمان بعد جولة لورانس العرب بنجد وطوارفها . يهدي بعض العربان الأقمشة المجرثمة بالحصبة الألمانية ، وقطع الخشب السام دخانه يعطب الرئة ، ويتسبب فيما بعد بالوفاة لاسيما شيوخ العشائر الأذكياء ، والأكثر فطنة .
لم يلبث أب الطفلة الأولى توفى مغبون بوفاة أبنائه الثلاثة ، فأجتمع الاخوة العلات ، والأخوة الأخياف، وتشاوروا في أمر الصبية من يكفلهما بعد وفاة أبيهما ، ويرعاهم حتى يشتد عودهما ويكبران ، استقر رايهم فيما بينهم ان ياخذ مشعان أبنه " فائز " باعتباره تاجر مواشي ، ومحمد " الطفلة " باعتباره مالك متجر بالديرة " مصدة " رعاية وتربية لهما . انتقل كلاً منها مع عمه . أما شقيقها " فائز " بعد دور العام توفى متأثراً بالحصبة ايضاً .
انتقلت الصبية مع عمها محمد بمصده يملك متجر صغير مصدر دخله شمال شرق الجامع يبيع القهوة والهيل العويدي والقرفه والزنجبيل ، وغيرها من البهارات والتوابل ، والسكر والرز ، والعود نوعاً من البخور والطيب . ياتي بها موزعي تجار القصيم على هافات حمر اللون ، فالعود والبخور والطيب ، والبهارات والتوابل والهيل وبعض من انواع الرز يجلبوها من الهند بواسطة منامة البحرين ، وغيرها من الشام ، والعراق ومصر . يوزعوا منتجاتهم وكل جديد جلبوه من الشام والعراق ومصر على قرايا نجد عموماً والوشم خصوصاً ، ومن بينهما متجر عمها/ محمد بن نهار شمال شرق جامع مصده بين الجامع والاحياء الشرقية والشمالية ومتجره يفتح جنوباً على برحة شرق مسجد الجامع ، وجنوب الدكاكين وبالبرحة ماقفة الأغنام تجلب إليها ، وكان محمد نهار إذا لاحظ ماأحد باع جليبته . أشتراها وجعل ابناخيه أبن بنتاخيه بحلقة تحفيظ القران الكريم صباحاً أو مساءً بالمسجد يرشدهم إلى مكان وضع الغنم في حائط دار أخيه الطين خالد . لاحدس اهل الجلب إذا باعوا جلبهم يشترون لوازمهم من المتاجر المحيطة بالجامع لأهليهم ، وذويهم .
كان أخر لقاء الطفلة بأمها بتلك السرحة ، وقد أحسن عمها " محمد " شقيق أبيها من الأب تربيتها ، وزوجها أبن عمها نجل خالد ، مكثت عند عمها حتى انجبت الأبن الأول ، وطريتته البنت ، والزوج يبحث عن عمل ويتردد إليهم من حين الاخر ، وانتقلت مع زوجها مكة المكرمة مقر عمله .
ذات يوم دار بين الزوج وزوجته حديثاً خفياً حثت زوجها ان يتزوج معلله ليس بينهما سوى أثنين من الاولاد ، ولهما أربعة أعوام لم ينجبان والاخطار محدقة ، والدنيا غدارة لا يؤمن بوايقها محتقة باخطارها المفاجئة ، والمؤلمة .
فالزود ، ولا النقص فقال الزوج: كيف ؟ قالت الزود في التعدد سنه محمدية مؤكده ، ومنهج السلف التعدد ، ومحمود مآلاً ، وبالتعدد يزداد الاولاد والزود في الأولاد عزوة الأسرة ، وذكر مابعد الموت ، وفي الأموال الحسب ، وفي الدور مدخر ، وفي الزوجات نسب وشرف ، وفي المعارف تجارة ، وفي الجيران والاصدقاء إمارة ، وكل ذالك خير . تحقق ذلك فيما بعد . جمع الزوج اربع زوجات بفضل مشورة زوجته . البيت واحد والمطبخ واحد ، ورزق من ثلاث الزوجات اولاد سته ذكران وسته إيناث تلك " اثناعشر كاملة " من الاولاد .
العدد القادم نكمل الجزء الثالث من المقال .
دام عزك ياوطن ، ودامت قيادته الرشيده ، ودام سلمانها . سلمان الحزم . خادم الحرمين الشريفين . نجل المؤسس الأول ، وحفيد الامام يرحمهما الله سلائل سلاطين نجد الصوارم .. سلائل الاجرب المباري ، ودام عز ولي عهده الأمين . عضيده محمد العزم . ضرغام الوطن . مجفف منابع الارهاب ، ومصادر الفساد . مهندس رؤية الوطن ثلاثية الابعاد الحدية ، والحقيقية ، والكلية - مجتمعاً حيوي متفتح على كافة الثقفات ، واقتصاد زاهر ، وهمة حتى القمة - يحفظهم الله جميعاً بحفظه
بقلم/ خالد بن حسن الرويس