لن يقرأ كتاب ( صناعة الجوع و خرافة الندرة ) لمؤلفيه فرانسيس مور لابيه و جوزيف كولينز أحد دون أن يتحفز عقله ويثور قلقه ويعيد النظر في أمور كثيرة كان يأخذها من قبل مأخذ الأمور الواقعة أو المسلمات التي لا تناقش.
إنه كتاب كفيل بأن يقضي , لوقت غير قصير , على هدوء البال واسترخاء الأعصاب ورتابة الفكر.
و أعجب ما في الكتاب أنه يفعل ذلك بموضوعية كاملة وبطريقة في العرض تتسم بالهدوء و أحيانا بالبرود الشديد.
فلن تجد في الكتاب شعارات أو تعبيرات صارخة و لا دعايات أيديولوجية, بل ستجد في الكتاب حقائق علمية موضوعية ومشاهدات مباشرة.
ومع ذلك ستخرج من قراءة هذا الكتاب وقد مررت بصدمة فكرية تستفزك وتدفعك إلى مراجعة أمور كثيرة.
إن الكتاب يتعلق بأكثر الموضوعات مساسا بحياة الإنسان : موضوع الغذاء والحصول على الخبز. فمن يتحكم في خبزه قادر على التحكم في فكره.
لقد أصبح الغذاء في عالمنا سلاحا سياسيا مستخدما ببراعة وبلا ضمير في تذويب مقاومة الشعوب الفقيرة و بإخضاعها لسياسة الدول التي تمسك بمفاتيح مخازن الغلال في العالم.
ثم, إن صناعة الجوع التي يتحدث عنها هذا الكتاب هي في الوقت ذاته صناعة الفقر والجهل والتخلف. ومن هنا, فإن الأضواء التي يلقيها هذا الكتاب على التلاعب الذي يتم في مصائر البشر على أيدي المتحكمين في الغذاء تكشف عن حقائق تمتد إلى ما هو أوسع بكثير من ميدان الغذاء نفسه.
إن المشكلة التي يعالجها هذا الكتاب , هي في نهاية المطاف, مشكلة التبعية والتخلف التي تبدأ خطواتها الأولى والحاسمة منذ اللحظة التي يخضع فيها قوت الشعب الضروري لأطماع الباحثين عن الربح بأي ثمن, داخل مجتمعهم أو خارجه.
وحين ينتهي القارئ الكريم من قراءة هذا الكتاب , وتمتد يده في اليوم التالي لكي يلتقط من رفوف الأسواق إحدى المعلبات التي تحمل اسما يبدو بريئا ومغريا لشركة عالمية, سيكون قد أدرك حينها ما يكمن وراء الغلاف الزاهي البراق من مآس ومظالم ونكبات, لحقت بأولئك الذين عرقوا وكدوا لكي ينتجوا ما في العلبة الصغيرة من غذاء, ولكنهم في الأغلب الأعم لم يستمتعوا بشيء من ثمار ما أنتجوا , ولم يذق أطفالهم المحرومون طعم محصولهم الوفير.
سوف يقلقك هذا الكتاب كثيرا, ولكنه قلق صحي, يجلب وراءه صدمة الإفاقة واليقظة من الغفلة. وستدرك في النهاية, أن وراء مشكلة الغذاء تكمن مشكلات العالم الثالث كلها :
أن نعتمد على أنفسنا أو نتكل على غيرنا,
أن نتفع بكل قطرة من مواردنا أو نترك لغيرنا استغلالها واستغلالنا,
أن نظل إلى الأبد متخلفين أو نتقدم على طريقتنا الخاصة
لا على طريقتهم هم .
للتواصل : zrommany3@gmail.com
أ . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار الاقتصادي
وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية