قصة قصيرة من التراث التهامي.
# مع حلول مساء كل يوم في بيتنا الصغير اعتدنا واختي الصغيرة (تصغر أخيها بسنتين)_ يقول الابن _اعتدنا على سماع نداء الوالد من فوق سريره الخشبي وهو واضع رأسه على المخدة بعد أدائه صلاة المغرب .سقّوا اللمبة وخلوها في العشة والكبريت أبو شعلة قريبا منها. والفانوس مسحوا القزازة(الزجاجة) وعَبُوه قاز وعلقوه في الصبل ..!
تسارع الشقيقة الصغرى لتلبية طلب الوالد ..وتفعل مايفوق عمرها وجسمها النحيل .!
هكذا كانت حياتهم الليلية المعتادة ا بعد انفصال أبيهم عن أمهم التي رحلت ومعها ابنها الرضيع وتعيش بعيدا عنهم..!
يعود الابن الأكبر من مدرسته ظهرا كل يوم ويتناول مع والده واخته كسرة الخبز الحاف مع قليل من الملح والفلفل المدقوق في المهراس . وعليه أن يرعى بمواشي الأسرة القليلة كل عصر وبينها الشاة الأثيرة على الأسرة حيث ولدت توأما من البهم تبقى في الزريبة بالمنزل تنتظر أمها كل مساء وتتقاسم الاسرة والبهم حليبها .ومكان المرعى في الخبت خارج القرية بعد نزول المطر . حيث يجد بعض أترابه قد سبقوه بمواشيهم .! فيتسلى أثناء رعي الماشية بصيد الجراد الذي يجمعه وينظمه في عود ليأكله مع شقيقته بعد شيه عند عودته للمنزل قبل حلول المساء .!
واما شقيقته فترافق أباها بعد صلاة العصر كل يوم إلى بئر القرية لجلب الماء على حمارهم .و هي في قرارة نفسها غير سعيدة الحظ كشقيقها بوجود مدرسة للبنات بالقرية لعدم رغبة أهالي القرية بتعليم الفتاة.!!
أجتاز الابن المرحلة الابتدائية وسمع هو ووالده وأخته اسمه بصوت المذيع الشهير( بدر كريم) ضمن الناجحين عبر راديو الأسرة (ماركة سوني) المعلق في سارية الصبل ففرح فرحا شديدا وطلب من ابنته أن تصنع قهوة حالي(ماء مع قليل من السكر والزنجبيل) وتدعو الجيران لمشاركتهم شربها .!
جاء العام الدراسي الجديد وكان على الابن أن يغترب ويلتحق بالمدرسة المتوسطة بالمدينة البعيدة عن القرية .
وسيغيب فيها عن أسرته عاما دراسي . لايراهم إلا في إجازة الأعياد.
انتظم في الدراسة ومن حسن حظه حصوله على مكافأة شهرية تعينه على الدراسة والسكن وتوفير متطلباتها .وقد انشغل تفكيره بضرورة النجاح وتوفير مايستطيع من مكافأته الشهرية لكي يشتري بجزء منها إتريكا (ماركة بترومكس) الذي شاهده لأول مرة في المدينة واعجب به ليكون هديته لاسرته ويخفف عن شقيقته قيامها بمهمة إضاءة المنزل
كل مساء ..! ولم ينس أمه فاختار لها هدية مقلمة وقارورة عطر كانت مشهورة تسمى جنة النعيم .!!
تحقق حلمه بالنجاح وشراء الإتريك وقدمه لوالده الذي فرح بابنه كثيرا وضمه إلى صدره .وتحدرت دمعة على خده إعجابا بما جاء به ابنه.
حرص الابن أن يوصل هدية امه قبل أن يفتقده والده.
وما إن حل المساء الاول بعد النجاح هذه المره فاجأ الابن والده قبل نطقه بطلبه المعتاد .فأعد الأتريك ثم أشغله فاضاء المنزل ووصل نوره جميع المنازل المجاورة .!
فخرج الجميع من منازلهم وتجمعوا في بيت الأسرة وتحلقوا حول الإتريك فرحين مغتبطين ومباركين ولج بيت الأسرة بالغطاريف. بالنجاح وشعاع الإتريك ..!!
******
* العشة:بناء هرمي الشكل من القش تشتهر به تهامة .
** الصبل: بناء مربع الشكل من القش مفتوح من جانبين في العادة.
* اللمبة: قارورة من زجاج أو معدن لها غطاء تتخلله فتيلة من قماش أو خيش مغموس في القاز (الكيروسين).وتشعل الفتيلة بعود ثقاب من الكبريت أبو أبو شعلة .وضوؤها تحركه الرياح يمنة ويسرى .
** بدر احمدكريم: من أبرز وأشهر مذيعي الإذاعة السعودية .ومن أشهر برامجه تحية وسلام و في الطريق وضيف الليلة إضافة إلى نشرات الأخبار
وكتبها: غازي أحمدالفقيه